للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء بمعجزة وتحدي. وشعر أمية بن أبي الصلت ينبغي أن ينظر إليه من هذا الوجه.

وينبه ههنا ويلفت النظر إلى أن تلاميذ النقد المعاصر وأساتذته مما يشغلون أنفسهم وتلاميذهم بتتبع أثر بلاغة القرآن في شعر الصحابة والتابعين وضروب بلاغتهم وذلك لا يحتاج إلى طول درس وتحليل. ولكن الذي يحتاج حقًّا إلى الدرس والتحليل هو تأثير القرآن وأثر بلاغته في شعراء الجاهلية الذين عاصروه ومن نوره قبسوا عن عمد أو لما كان للآيات البينات من سيرورة وتالين. وأما العمد فقد قدمنا لك مذهب الجاحظ فيه.

هذا والذي سوغ للأعشى استعمال منهج الرثاء الذي الحكمة مما سميناه «الأينيات» أن هذه الكلمة في الهجاء أو الوعيد. والأعشى ذكر ما ذكره من أمر هذه الفتاة ينتشى به ليتبختر إلى لقاء عدوه بسيف من حديد القول الصقيل البتار- قال في سياق ما تقدم:

أولم ترى حجرًا وأنت حكيمة ولما بها

إن الثعالب بالضحى يلعبن في محرابها

والجن تعزف حولها كالحبش في محرابها

يشير إلى خبر زرقاء اليمامة وقد جاء به مفصلًا في شعره وهلاك طسم وجديس وتكرار «محرابها» أمثاله عند الأعشى كثير وشبه الجن بالحبش لأن الحبش أرادت منذ عهد غير بعيد من زمان يتذكره جيل الأعشى أن تدخل مكة وتستولى على الكعبة- فهذا في ما نرى أصل تشبيهه في هذا الموضع. والهجاء دل عليه بالمطلع حيث قال:

أوصلت صرم الحبل من ... سلمى لطول جنابها

ورجعت بعد الشيب تبـ ... ـغي ودها بطلابها

<<  <  ج: ص:  >  >>