للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحسب أن الفرزدق نظر إلى هذا من قول الأعشى في الأبيات العينية التي صور فيها عمارًا ذا كناز وأصحابه صورة مضحكة هازئة- وفي الديوان من يأت عوامًا وما أراه إلا تصحيفًا وما هو إلا عمار بتشديد الميم وكان عمار هذا ماجنًا:

من يأت عمارًا ويشرب عنده ... يدع الصيام ولا تصلي الأربع

في الديوان كما تقدم «عوامًا» ورأيتها «عمارًا» في موضع يوثق به وساق الخبر وند بعد عني.

ويبيت في حرجٍ ويصبح همه ... برد الشراب وتارة يتهوع

ولقد مررت ببابهم فرأيتهم ... صرعى ومنهم قائمًا يتتعتع

أي وبعضهم يتتعتع في حال قيامه.

فذكرت أهل النار حين رأيتهم ... وحمدت خالقنا على ما يصنع

في الديوان «خائفنا» وفيه بعد والصواب «خالقنا» وهكذا رأيتها وسائر الرواية في الموضع الذي ند عني وفي الديوان ص ٥١٤ (مصورة من طبعة الصاوي بمصر) بياض مكان (منهم)، ومكان سخرية الفرزدق وصورته المضحكة تشبيهه حال السكارى بحال أهل النار وأوصافهم كأن تكون وجوههم مردودة على أدبارهم، ثم حمده الله على هذا الذي رآه لما فيه من عظة واعتبار وجل من لا يحمد على المكروه سواه.

وما ذكرنا من شعر الأعشى منبئ على مرادنا من هذا الضرب الرابع من شعر الغزل، الذي إنما يعمد فيه إلى الملح والإحماض. ومن أشهر أمثلته في الشعر القديم الوصف الذي في أبيات دالية المتجردة، وقد تقدم الحديث في ذلك والدالية اليتيمة تحاكي مذهب النابغة وهذا التي أولها:

هل بالطلول لسائلٍ رد

<<  <  ج: ص:  >  >>