للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا نفس ينبئ عن شعر كثير. وزعم ابن خلكان أن له ديوانًا وأورد أبياتًا منها:

وقالت نساء الحي تطمع أن ترى ... بعينيك ليلى مت بداء المطامع

وقد دخل هذا في أشعار المتصوفة.

على أن الشاعر الذي اقتبس أضوأ جذوة من الضرب الأول من النسيب- وهو الحنين والصبابة مع ملابسة الرمز والروحانية والحرارة وأجواء من أهواء الأنفس وضمائرها لكل لذلك- لم يكن من شعراء الغرام المشهورين به دون غيره، ولكن الفحول، الذين متى ذكروا ذكر أمر تقدمهم في المدح والهجاء والفخر وما أشبه أول شيء -ذلك الشاعر هو جرير.

وقد فطن النقاد ورواة الشعر لتبريز جرير فقالوا إن أغزل بيت قالته العرب قوله:

إن العيون التي في طرفها مرضٌ ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

وأحلى غزل قوله:

إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معنيا

غيضن من عبراتهم وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا

في نسيب جرير حرارة وعمق وحنين وقد أتيح بسبب ما برع فيه من أساليبه فيه أن صار ذلك نموذجًا يحتذى. وقد تنبه إلى هذا المعنى ونبه عليه بشار في نونيته التي جارى بها:

يا حبذا جيل الريان من جيل ... وحبذا ساكن الريان من كانا

وحبذا نفحات من يمانية ... تأتيك من قبل الريان أحيانا

فقال:

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا

<<  <  ج: ص:  >  >>