للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحاكى البحتري أسلوب جرير، وحاكى مداح الرسول عليه الصلاة والسلام أساليبهما وانتقلت آثار ذلك إلى الأشعار الفارسية كما في روضة سعدي الشيرازي مثلًا وقد ترجمت إلى العربية منذ حين قريب. وشاعر آخر ينبغي أن يقرن بجرير وهو ذو الرمة. وكانت له مية كما كانت لكثير عزة ولجميل بثينة ولتوبة ليلى الأخيلية ولابن الطثرية وحشية. وكانت له خرقاء وقيل هي مية. ولعلهما ما كانا إلا علمي غرام شعري استعارهما من جمال امرأتين رآهما وتحدث إليهما وأعجب بجمالها هما مية بنت طلبة من آل قيس بن عاصم وخرقاء من حسان بني عامر بن صعصعة. واسم خرقاء لقب تحبيب، يطلق على الجميلة التي لا تصنع شيئًا وإن كانت في حاق أمرها تحسن أن تصنع يقال لها ذلك لأنها منعمة أو للدلالة على تنعمها- وقد ألمعنا إلى هذا المعنى عند الحديث عن ميمية علقمة. ويطلق أيضًا على المحسنة في الصناعة من باب تسمية الشيء بضده، وأحسب أنه لذلك سميت خرقاء -إن لم يكن هذا اسمها الأول- الصحابية التي كانت تقم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنها، ولا ريب إنها كانت تحسن ما تصنع وأن يكون هذا لقبًا أشبه والله أعلم.

في شعر جرير حرارة انفعال النفس نحو الجمال والحب معًا -تأمل قوله:

لما تذكرت بالديرين أرقني ... صوت الدجاج وقرع بالنواقيس

فقلت للركب إذ جد الرحيل بنا ... ما بعد يبرين من باب الفراديس

يبرين صحراء العرب بنجد وباب الفراديس بدمشق.

لو قد علون سماويًّا موارده ... من عند دومة خبت قل تعريسي

هل دعوة من جبال الثلج مسمعةٌ ... أهل الإياد وحيًّا بالنباريس

فههنا حنين خالص ويزيد فيه قوة الإحساس بالطبيعة- ومن آية ذلك الموازنة بين سماء الصحراء المصحية وجبال الشام ذات الثلج وضروب السحاب

<<  <  ج: ص:  >  >>