لعبن بدكداكٍ خصيب جنابه ... وألقين عن إعطافهن المراديا
وما رمن حتى أرسل الحي داعيا ... وحتى بدا الصبح الذي كان تاليا
وحتى استبان الفجر أشقر ساطعا ... كأن على أعلاه سبا يمانيا
فأدبرن يخفضن الشخوص كأنما ... قتلن قتيلًا أو أصبن الدواهيا
وأصبحن صرعى في البيوت كأنما ... شربن مدامًا ما يجبن المناديا
فقوله إنه يكتم الصبح عنها وهي غافلة ينبئ بنومها في مكان اللقاء ومغامرة الغرام وهذا معنى فاسد لأن الحب معه الاستمتاع بساعاته والعشاق يتحدثون عن قصر الليل إذا لقوا الأحباب. وعبد بني الحسحاس جاء بالمعنى على وجه الصواب حيث قال إنهن لم يرمن أي لم يذهبن حتى جاء شخص من الحي يذكرهن ويدعوهن ممن يخاف عليهن أن يفتضح أمره وأمرهن. فتلبثن إلى أن بدا أول الفجر وذلك غلسٌ لا تتبين معه الأشخاص. وأتى الشريف من جهة قول الحسحاسي:«وأصبحن صرعى في البيوت» ولكن هذا منهن قد كان بعد العودة من أنس الغرام ومغامراته- أما الشريف فقد نامت صاحبته حتى صاح العصفور وصياح العصافير مع الأسفار. وقوله «ترنم عصفور على علم» فيه عمل؛ لأن العلم يدل على الجبل والأكمة وما هو بهذه المنزلة والعصافير تكون على الأغصان، فجعل الغصن علمًا لا يخلو من تكلف، وتضخيم إلا يكن ذلك مما أملته ضرورة القافية. على أنا لا نقطع بهذا بالنسبة إليه، إذ هو مقتدر على القوافي غير أن تذوقه واختياره لهن فيه مذهبه وطريقة مضغه للكلم. وقوله «فقمت أنفض بردا» ألمعنا إلى أنه من قول الحسحاسي: «فنفضت ثوبينا ونظرت حولنا»، من ميميته التي مر ذكرها في معرض الحديث عن البحر الطويل. وإذ علمنا موضع العفاف فما معنى الكرم- اللهم إلا أن يجعل ذلك التفاتًا من الغزل إلى الفخر ولا محل للفخر ههنا، وقوله و «ألمستني كفًّا» مع زعمه أن ذلك حين «جد الوداع بنا» ضعيف. وقد ذكر لنا القبلات من قبل. وأحسبه شغله ههنا