أمر الصناعة اللفظية والإشارة إلى الكف الخضيب من النجوم. وجعله الأصابع قضبانًا من العنم فيه جهد. ثم إن الشريف كأن قد تذكر أن لمس الكف لا يفي بغرض الشوق والغزل فاستدرك بذكر الثغر ولم يعد التشبيه المألوف من ذكر الخمر وما تمزج به عن عسل وماء وثلج أو كما قال حسان:
كأن سبيئةً من بيت راس ... يكون مزاجها عسل وماء
على أنيابها أو أطعم غض ... من التفاح هصره اجتناء
على فيها إذا ما الليل قلت ... كواكبه ومال بها الغطاء
إذا ما الأشربات ذكرن يوما ... فهن لطيب الراح الفداء
وقد كان حسان من وصاف الخمر في الجاهلية وهو القائل:
إن التي ناولتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
وهذه الأبيات قيلت في فتح مكة وقد ذكر في تحريم الخمر أنها كانت بعد الفتح تحريمها، على اختلاف في ذلك. فعلى هذا القول فلا يحتاج ما قاله إلى تخريج. وعلى قول من زعم أن التحريم كان قبل ذلك، فيعتذر له بأنه مضى على طريقة قول كانت هي المألوفة في الشعر على زمانه، وعليها سار كعب في اعتذاريته حيث قال:
كأنه منهل بالراح معلول
وهذا أحسبه هو الذي أراده أبو العلاء إذ قال في رسالة الغفران يدافع عن حسان:«ويحك أما استحييت أن تذكر مثل هذا في مدحتك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول كان أسجح خلقًا مما تظنون. ولم أقل إلا خيرًا. لم أذكر إني شربت خمرًا ولا ركبت مما حظر أمرًا وإنما وصفت ريق امرأة يجوز أن يكون حلا لي ويمكن أن أقوله على الظن» أ. هـ.