في قصباء فصارت قصبة فأخذها بان واتخذ منها نايًا. والكنة بفتح الكاف وتشديد النون الزوجة وكذلك الحنة بالحاء المهملة، وقد مر بك قول المعري في درعياته:
فحن إلى المكارم والمعالي ... ولا تثقل مطاك بعبء حنة
نظم أندرو مارفيل هذه الكلمة الحسنة أول شيء باللاتينية ثم بالإنجليزية ويذكر شراحه أن آخر سطرين من القسم الثامن من المنظومة، وأقسامها تسعة، لم يكونا في نصه اللاتيني. ومهما يكن من شيء، فدلالة ذلك على الصناعة ظاهرة، ونتساءل هل كان أندرو مارفيل يعلم شيئًا من العربية يقوى به على قراءة مشهورات دواوينها كديوان أبي الطيب وأبي تمام والمعري؟ أو هل اطلع على ترجمات لاتينية أو فرنسية أو إنجليزية لأشعار هؤلاء الثلاثة وغيرهم من مشهوري شعراء العرب كأصحاب المعلقات مثلًا؟ أو هل أتيح له أن يأخذ ممن له علم بها؟
والذي يدعونا إلى هذا التساؤل هو أن هذه الكلمة من شعر أندرو مارفيل -وغيرها من شعره- تحمل ألوان شبه قوية بشعر أبي الطيب خاصة ثم بشعر المعري وأبي تمام وعنترة وغيرهم مما لا تطمئن معه النفس إلى أن هذا توارد خواطر ووقوع حافر على حافر (١).
قول مارفيل في القسم الأول يسخر من اجتهاد الناس ودأبهم الموصول ليكسبوا جوائز من جريد النخل وهو رمز النصر في ما زعمه شراح هذه القصيدة وورق بلوط وهو رمز الرياسة والسلطان وأغصان الغار وهي رمز الشعراء، فيه روح كتشاؤم المعري إذ يقول:
تعب هذه الحياة فما أعـ ... ـجب إلا من راغبٍ في ازدياد
(١) () في كتاب Un Poete Arabe لبلاشير ما يفيد أن ديوان المتنبي كان معروفًا في أوروبا وترجم سنة ١٦٢٥ وبلغني ممن اطلع على ذلك أن يوربديز الهولندي مدح شعر المتنبي مدحًا عظيمًا في محاضرة له ألقاها بليدن سنة ١٦٢١ هـ فتأمل. فإعجاب هذا سابق لإعجاب فون هامر الألماني.