أبذكر الآيات أوفيك مدحًا ... أين مني وأين منها الوفاء
يعني المعجزات والعلامات كتظليل الغمام وتسبيح الحصى والبشارات التي سبقت يدلك على ذلك قوله من بعد:
أم أماري بهن قوم نبي ... ساء ما ظنه بي الأغبياء
إذ قصدي إظهار الحجة لا المماراة المنهي عنها.
ولك الأمة التي غبطتها ... بك لما أتيتها الأنبياء
هذا من إحسان البوصيري إذ هو قد ذكر الآل والأصحاب والندم والتوبة ورجاء الشفاعة ومت بمدحه النبي صلي الله عليه وسلم إلى رجائه من ذلك- ثم ذكر أمة الإسلام وعزتها بما خصها الله به من رشد وعناية وأن رسولنا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وهي خاتمة الرسالات ذات التوحيد الباهر المنير.
لم نخف بعدك الضلال وفينا ... وارثو هدى نورك العلماء
وهو منهم إن شاء الله.
ثم يقول رحمه الله:
ليس من غاية لوصفك أبغيـ ... ـها وللقول غايةً وانتهاء
لم أطل في تعداد مدحك نطقي ... ومرادي بذلك استقصاء
غير أني ظمآن وجد وما لي ... بقليل من الورود ارتواء
وكأنه هنا يعلق على شكوى ابن الرومي إذ قال:
وإذا امرؤ مدح امرأ لنواله ... وأطال فيه فقد أطال هجاءه
لو لم يقدر فيه بعد المستقى ... عند الورود لما أطال رشاءه
هذا في مدح ملوك الدنيا وعند طالبي زهرتها. ثم كأنه بقوله لم أطل من أجل قصد للاستقصاء يظهر عين المعنى الذي لاح لنا من طريقته إذ قلنا إنه يقصد إلى التغني لا السرد واستقصاء الأخبار ومن أجل هذا ما أخذنا على من أخذ عليه أنه إذ ذكر ثانية وعشرين منزلًا وشبهها بمنازل القمر أنه حذف خمسة لو ذكرها ما تمت المطابقة إذ منازل القمر ثمانية وعشرون. ولقد أباح النقاد للشعراء ألا يلتزموا بتواتر أحداث التأريخ ولأرسطوطاليس الفيلسوف نظريته المعروفة في الواقع والمحتمل. فكيف نلزمهم بالسرد