قوم إذا صرحت كحل بيوتهم ... عز الذليل ومأوي كل قرضوب
القرضوب الفقير
ينجيهم من دواهي الشر إن أزمت ... صبر عليها وقبص غير محسوب
القصب بكسر القاف العدد الكثير الدثر. غير محسوب أي لا يعد من كثرته
كنا نحل إذا هبت شآمية ... بكل واد حطيب الجوف مجدوب
مجدوب أي مذموم، يخافه الناس لخصبه إذ لا يكثر فيه الحطب إلا وهو خصيب، وهذا كما لا يخفي من اللعب اللفظي أن يكون حطيبا مجدوبا والجدب لا يكون معه خصب من حطب أو مرعى. وإنما تعمدوا مكان الحطب لكثرتهم يوقدون ويطبخون ويقاتلون بشوكتهم عما حازوه فمنعوه
وتأمل كيف تدرج إلى قوله كنا بعد أن كان الكلام إخبارا عن قوم هم عز الذليل ومأوى الفقير ففسر العز بالقوة على منع أنفسهم. وفسر الإيواء بما في الحطيب من الدلالة على الطعام والطبخ والكرم.
ثم أعطانا صورة هذا الوادي الحطيب الجوف بعد أن أقاموا به يحمونه ويكرمون نزيلهم باغي قرى الضيف عندهم فيه
شيب المبارك مدروس مدافعه ... هابي المراغ قليل الودق موظوب
أي بعد أن أقام به الناس يحتطبون ويرعون ويقاتلون خلا من كل نبات فمباركه غبر شيب موظوبات تتابع عليهن الوطء والدياس. وفسر بعضهم شيب المبارك بالثلج والتفسير قول أبي عمرو أحسبه الشيباني أنه ليس بما كلأ فهي بيض، قال أغبر لبعد أهله، لا من الصقيع لأن الصقيع معه بلل فلا يكون جدبا.
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ... كان الصراخ له قرع الظنابيب
وهذا كما هو فخر، هو أيضا تنبيه على فضيلة النجدة وحث عليها، «الفارس الماجد القديم» بذلك جدير. قرع الظنابيب أي التمشير والظنبوب عظم الساق
وشد كور على وجناء ناجية ... وشد سرج على جرداء سرحوب
هذه حال نهوض إلى الحرب، يمتطون الإبل ويجنبون الخيل، ثم في الكلام رجعة إلى اصداء من صوت الوصف والتفصيل والنشوة إلى ذلك مما مر من حديثه من قبل- ولاحظ تتابع الجيم- وجناء- ناجية- سرج- جرداء- ثم تجيء السين والحاء من بعد ولا ينسى الكاف ولا الخاء ولا الظاء والصاد للسين أخت:
يقال محبسها أدنى لمرتعها ... وإن تعادي ببكء كل محلوب
حتى تركنا وما تثني ظعائننا ... يأخذن بين سواد الخط فاللوب
ما يخشين من أحد. هكذا كنا فمثلنا فكونوا.
ومما تدرج فيه على سياق عادة الشعراء نونية العبدي
أفاطم قبل بينك متعيني ... ومنعك ما سألت كأن تبيني
وقد مر عنها الحديث ولكن ننبه هاهنا على هذا الجانب من إحكامها ووحدتها وربطها- وذلك أن الشاعر جعل النسيب ثلاث درجات أخراهن خروج إلى الرحلة وجعل الرحلة ثلاث درجات أخراهن خروج إلى عمرو، وجعل خاتمة الكلام ثلاث درجات أخراهن الحكمة وهي التي من أجلها قال ما قال، وقد كان المثقب حكيما، وكانت في عبد القيس على بعدها