للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفسطة (١) قد صار في عرف المتكلمين عبارة عن جحد (٢) الحقائق، فلا ريب أن هذا يكون في كثير من الأمور، فمن الأمم من ينكر كثيرًا من الحقائق بعد معرفتها، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (٣)، وقد يشتبه كثير من الحقائق على كثير من النَّاس، كما قد يقع الغلط للحس أو العقل في أمور كثيرة، فهذا كله موجود كوجود الكذب عمدًا أو خطأ، أما اتفاق أمة على [إنكار] (٤) جميع العلوم والحقائق، أو على إنكار كل منهم لما لم يحسه، فهو كاتفاق أمة على الكذب في كل خبر أو التكذيب بكلِّ خبر، ومعلوم أن هذا لم يوجد في العلم (٥)، والعلم بعدم وجود أمة على هذا الوصف، كالعلم بعدم وجود أمة بلا ولادة ولا اغتذاء، وأمة لا يتكلمون ولا يتحركون، ونحو ذلك ممَّا يعلم أن البشر لا يوجدون (٦) على هذا الوصف، فكيف والإنسان هو حي ناطق، ونطقه هو أظهر صفاته (٧) اللازمة له، كما قال تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (٨) والنطق إما إخبار، وإما إنشاء، والإخبار أصل، فالقول بوجود أمة لا تقر بشيء من المخبرات إلَّا أن تحس المخبر بعينه ينافي ذلك، وإذا كان كذلك، فأولئك المتكلمون من المشركين والسمنية الذين ناظروا الجهم، قد غالطوا الجهم، ولبسوا (٩)


(١) في الأصل: "السفسنطة"، والمثبت من: س، ط.
(٢) في ط: حجر.
(٣) سورة النمل، الآية: ١٤.
(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. يقتضيها الكلام.
(٥) في س، ط: "العلما".
(٦) في جميع النسخ: "يوجدن". ولعل ما أثبته يستقيم به الكلام.
(٧) في الأصل: "صفات". والمثبت من: س، ط.
(٨) سورة الذاريات، الآية: ٢٣.
(٩) في س: "غالطوا الجهم ليسوا".
وفي ط: "غالطوا. . . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>