للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى، لأنَّ (١) ما يقوم بالمخلوقات يسمعه كل أحد كما يسمعون ما يحدثه في الجمادات من الإنطاق، كما سمعوا ما يحدثه في الأحياء من الإنطاق، ولأنه فرق بين الوحي وبين التكليم من وراء حجاب، فلو كان كلامه هو ما يخلق في غيره من غير أن يقوم به كلام لم يحصل الفرق، ولأنه فرق بين ذلك وبين أن يرسل رسولًا فيوحي بإذنه ما يشاء، فلو كان ذلك الرسول لم يسمع إلَّا ما خلق في بعض المخلوقات لكان هذا من جنس ما يخلق فيسمعه البشر، وحينئذ فيكون كلاهما من وراء حجاب، فلا يكون الله مكلمًا للملائكة -قط- إلَّا من وراء حجاب.

وقوله: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} هو دليل على أنَّه قد يكلم من شاء بلا حجاب، كما استفاضت بذلك السنن (٢) عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فلما ابتدعت الجهمية هذه المقالات، أنكر ذلك سلف الأمة وأئمتها من بقايا التّابعين وأتباعهم، وصاروا يظهرون أعظم المقالات شبهة كقولهم: القرآن


(١) في الأصل: "لا أن". والمثبت من: س، ط. والكلام يستقيم به.
(٢) روى التِّرمذيُّ عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: "يا جابر ما لي أراك منكسرًا؟! " قلت: يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، وترك عيالًا ودينًا، قال: "أما أبشرك بما لقي الله به أباك؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: "ما كلم الله أحدًا قط إلّا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحًا- كفاحًا: أي: لقيه مواجهة. والمكافحة: مصادفة الوجه بالوجه مفاجأة. راجع: لسان العرب لابن منظور ٢/ ٥٧٣ (كفح) - فقال: يا عبدي
تمنّ علي أعطك، قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرَّبُّ عزَّ وجلَّ: إنه قد سبق مني {أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ}، قال: وأنزلت هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا. . .} الآية.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلَّا من حديث موسى ابن إبراهيم. رواه عنه كبار أهل الحديث.
راجع: سنن التِّرمذيِّ -كتاب التفسير- باب ومن سورة آل عمران- الحديث رقم ٣٠١٠. وسنن ابن ماجه -المقدمة- باب فيما أنكرت الجهمية- الحديث رقم ١٩٠ - كتاب الجهاد- باب فضل الشهادة في سيبل الله حديث رقم ٢٨٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>