للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق كثير، إلى أن تكلم في الاتحادية القائلين بوحدة الوجود، وهم: ابن عربي، وابن سبعين، والقونوي، وغيرهم (١)، فتحزب عليه الصوفية، وذهبوا إلى القلعة في جموع كثيرة يشكون ابن تيمية للسلطان، وادعوا أنَّه يسب مشايخهم، ويضع من قدرهم عند النَّاس.

فأمر السلطان أن يعقد له مجلس بدار العدل.

وفي يوم الثلاثاء العاشر من شهر شوال سنة سبع وسبعمائة، عقد له المجلس، فأظهر فيه -رحمه الله- من العلم، والشجاعة، وقوة القلب، وصدق التوكل، ما يتجاوز الوصف.

ولكن كثرت الضجات، وزادت المجادلات، التي لم تجد الدولة سبيلًا لإخمادها إلّا بتخيير الشَّيخ بين ثلاثة أمور:

- أن يسير إلى دمشق.

- أو أن يذهب إلى الإسكندرية.

وهو مقيد في دمشق والإسكندرية بشروط.

- أو الحبس.

فاختار -رحمه الله- الحبس (٢)، لكن تلاميذه ومحبيه طلبوا منه السَّفر إلى دمشق على ما شرطوا، فأجابهم إلى ما طلبوا تطييبًا لخاطرهم وركب البريد في الثامن عشر من شهر شوال من هذه السنة، ثم أرسل من الغد بريد آخر خلفه فرده إلى مصر، وحضر عند القاضي بدر الدين بن جماعة وجماعة من الفقهاء.

فقال بعضهم له: ما ترضى الدولة إلّا بالحبس، فقال القاضي ابن جماعة: وفيه مصلحة له.

فاستناب شمس الدين التونسي المالكي، وأذن له أن يحكم عليه


(١) من خلال التحقيق لهذا الكتاب عرفت بالاتحادية وبأصحابها.
(٢) يقول أبو زهرة -في كتابه "ابن تيمية- حياته وعصره وفقهه" ص: ٦٦:
"وأنه إذ يختار الحبس يختار تقييد الجسم من الحركة، وقد ارتضاه عن تقييد الفكر واللسان، فإن الحرية التي تملأ نفس العالم ليست هي حرية الانتقال من مكان إلى مكان، إنَّما هي حرية الفكر وجولاته، ونشر تفكيره وآرائه. . . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>