للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحبس، فامتنع، وقال: ما ثبت عليه شيء.

فأذن لنور الدين الزواوي المالكي، فتحير.

فلما رأى الشَّيخ -رحمه الله- توقفهم في حبسه، قال: أنا أمضي إلى الحبس وأتبع ما تقتضيه المصلحة.

فقال نور الدين: يكون في موضع يصلح لمثله.

فقيل له: الدولة ما ترضى إلَّا بمسمى الحبس.

ثم أرسل بعد هذا إلى حبس القضاة، وأذن بأنَّ يكون عنده من يخدمه.

وكان كل ذلك بإشارة نصر المنبجي، ووجاهته في الدولة (١).

ومكث الشَّيخ في الحبس يستفتى، ويقصده النَّاس، ويزورونه، ويكتب لهم بما يحير العقول من المسائل التي عجز غيره عن الإفتاء بها، فالتف النَّاس حوله، وكثر اجتماعهم به وترددهم عليه.

فأثار هذا حفيظة أعدائه، وحصرت صدورهم، ممَّا جعلهم ينقلونه إلى الإسكندرية (٢) في آخر شهر صفر من سنة تسع وسبعمائة، وحبس ببرج منها ثمانية أشهر زاول خلالها -رحمه الله- ما عرف عنه من الوعظ وتوجيه النَّاس، فكان يقصده الأعيان والفقهاء يقرؤون عليه، ويستفيدون منه.

وفي اليوم الثامن من شهر شوال من هذه السنة بادر الملك الناصر بعد دخوله إلى مصر واستعادة ملكها بإحضار الشَّيخ من الإسكندرية، فخرج منها الشَّيخ، ووصل إلى القاهرة في الثامن عشر من الشهر المذكور واجتمع بالسلطان يوم الجمعة الرابع والعشرين منه، فأكرمه وأحسن استقباله، وتلقاه في مجلس (٣) حفل فيه قضاة وفقهاء مصر والشام، وأصلح بينه وبينهم.


(١) انظر: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: ٢٦٧ - ٢٦٩.
والكواكب الدرية -لمرعي الحنبلي- ص: ١٣٣، ١٣٤.
(٢) يذكر ابن كثير -في "البداية والنهاية" ١٤/ ٤٣: أن الجاشنكيز وشيخه المنبجي أرادا من نقله إلى الإسكندرية كهيئة المنفي، لعل أحدًا من أهلها يتجاسر عليه فيقتله غيلة، لأنَّ الشَّيخ كان يتكلم فيهما وفي ابن عربي وأتباعه، وكان الأمر على خلاف ما أرادا، فازداد حب النَّاس للشيخ وتعلقهم به.
(٣) انظر ما دار في هذه المجلس من استقبال حافل للشيخ وثناء السلطان عليه في =

<<  <  ج: ص:  >  >>