للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تجعل في قلوبنا غِلًا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ولكن نعرف أن هذه الحجة تبين فساد قول الجهمية من المعتزلة (١) الذين يقولون: خلق الله كلامه في محل، فما ذكروه يبين فساد هذا القول، الذي اتفق (٢) سلف الأمة وأئمتها على ضلالة قائله، بل ذلك عند من يعرف ما جاء به الرسول معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام، ولكن هذا يسلم ويطرد لمن جعل الأفعال قائمة به، وجعل صفة التكوين قائمة به، ولهذا انتقضت على الأشعرية دون الجهمية (٣)، ويبين أن كلام الله قائم به، وهذا حق.

وأما كونه لا يتكلم إذا شاء، ولا يقدر أن يتكلم بما شاء، فهذا لا يصح إلّا بما ابتدعته الجهمية من قولهم: لا يتحرك، ولا تحل به الحوادث، وبذلك نفوا أن يكون استوى على العرش بعد أن لم يكن مستويًا، وأن يجيء يوم القيامة، وغير ذلك مما وصف به نفسه في الكتاب والسنة.

وأما قول هؤلاء (٤): لو خلقه في نفسه لكانت ذاته محلًا للحوادث، فالذين يقولون: إنه يتكلم إذا شاء لا يقولون: إنه يخلق في نفسه شيئًا، إذ (٥) الخلق هو فعل -أيضًا- قائم به عندهم بمشيئته، فلا يكون للخلق خلق آخر، وإلّا لزم الدور والتسلسل، ولهذا لم يقل أحد


(١) في س، ط: المعتزلة وغيرهم.
(٢) في جميع النسخ: اتفقت. ولعل ما أثبت يناسب السياق.
(٣) في ش، ط: الجمهور.
لأن الأشعرية تقول: المتكلم من قام به الكلام، والجهمية والمعتزلة يقولون: المتكلم من فعل الكلام.
(٤) القاضي أبو علي وابن الزاغوني وغيرهم.
(٥) في س: إذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>