للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضربها الله في كتابه، فإن الله تعالى علي الأصنام بأنها لا ترجع قولًا، وأنها لا تملك ضرًّا ولا نفعًا، وهذا من المعلوم ببدائه (١) العقول، أن كون الشيء لا يقدر على التكلم صفة نقص، وأن المتكلم أكمل من العاجز عن الكلام، وكل ما تنزه المخلوق عنه من صفة نقص فالله -تعالى- أحق بتنزيهه عنه، وكلما أثبت لشيء من صفة -كمال فالله تعالى أحق باتصافه بذلك، فالله أحق بتنزيهه عن كونه لا يتكلم من الأحياء الآدميين وأحق بالكلام منهم، وهو - سبحانه - منزه عن مماثلة الناقصين، المعدوم والموات.


= ولهذا ذكر الوزير أبو المظفر بن هبيرة في كتاب "الإيضاح في شرح الصحاح" أن أهل السنة يحكون أن النطق بإثبات الصفات وأحاديثها يشتمل على كلمات متداولات بين الخالق وخلقه، وتحرجوا من أن يقولوا: مشتركة، لأن الله تعالى لا شريك له، بل لله المثل الأعلى وذلك هو قياس الأولى والأخرى، فكل ما ثبت للمخلوق من صفات الكمال فالخالق أحق به وأولى وأحرى به منه، لأنه أكمل منه، ولأنه هو الَّذي أعطاه ذلك الكمال، فالمعطي الكمال لغيره أولى أن يكون هو موصوفًا به، إذ ليس أعطى وأنه سلب نفسه ما يستحق وجعله لغيره فإن ذلك لا يمكن، بل وهب له من إحسانه وعطائه ما وهبه من ذلك، كالحياة والعلم والقدرة.
وكذلك ما كان منتفيًا عن المخلوق لكونه نقصًا وعيبًا، فالخالق هو أحق بأن ينزه عن ذلك".
ثم قال الشيخ -رحمه الله- مبينًا استعمال السلف لقياس الأولى: "فهذا أصل ينبغي معرفته، فإذا أثبت له صفات الكمال من الحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر وغير ذلك بهذه الطريقة القياسية العقلية التي لله فيها المثل الأعلى، كان ذلك اعتبارًا صحيحًا".
وكذلك إذا نفى عنه الشريك والولد والعجز والجهل ونحو ذلك بمثل هذه الطريقة.
ولهذا كان الإمام أحمد وغيره من الأئمة يستعملون مثل هذه الطريقة في الأقيسة العقلية التي ناظروا بها الجهمية".
(١) في ط: ببداية.

<<  <  ج: ص:  >  >>