للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تزول من مكان إلى مكان، ثم انتقل الجهمي عن ذلك القول (١) إلى هذا القول.

وقال أحمد (٢) في الجواب: (فقلنا: كذلك بنو آدم كلامهم مخلوق، فقد شبهتم الله - تعالى - بخلقه، حين زعمتم أن كلامه مخلوق، ففي مذهبكم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتَّى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم لا يتكلمون (٣) حتَّى خلق لهم كلامًا، فقد جمعتم بين كفر وتشبيه) إلى آخر كلامه.

ففي هذا كله دليل على أنَّه أنكر عليهم كونه كان لا يتكلم حتَّى خلق لنفسه كلامًا في نفسه، فصار حينئذ متكلمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، وبين أن ذلك يستلزم أنَّه كان ناقصًا فصار كاملًا، لأن عدم التكلم صفة نقص، وهذا هو الكفر، فإن وصف الله بالنقص كفر، وفيه تشبيه له بمن كان ناقصًا عاجزًا عن الكلام حتَّى خلق له الكلام، ولهذا قال:

(بل نقول: إنه لم يزل متكلمًا إذا شاء).

فبين أن كونه موصوفًا بالتكلم إذا شاء، أمر لم يزل، لا يجوز أن يكون ذلك محدثًا، لأنه يستلزم لكماله (٤) بعد نقصه، وفيه تشبيه له بالآدميين، كما أن منع تكلمه بالكلية تشبيه له بالجمادات من الأصنام التي تعبد من دون الله - تعالى - وغيره، ثم إنه بين أن ثبوت هذه الصفة له فيما لم يزل كثبوت العلم والقدرة والنور والعظمة، لم يزل موصوفًا بها لا يقال: إنه كان بدون هذه الصفات حتَّى أحدثها، لأن ذلك يستلزم أنَّه كان ناقصًا فكمل بعد نقصه - سبحانه وتعالى (٥) - عن ذلك.


(١) القول: ساقطة من: س.
(٢) الرد على الجهمية والزنادقة - ص: ١٣٢.
(٣) في الرد على الجهمية: كانوا لا يتكلمون.
(٤) في ط: كماله.
(٥) في ط: وتعالى الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>