للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان كلام أحمد وغيره من الأئمة مع الجهمية في هذه المسألة، فيه بيان الفصل بين كلام الله - تعالى - وقوله، وبين خلقه، وأن هذا ليس هذا، ويذكرون هذا الفرق في المواضع التي أخبر الله ورسوله بأنه تكلم بالوحي، وأنه إذا تكلم بالوحي كان (١) هذا من أعظم الحجج لهم، فإن من يقول: القرآن مخلوق. يقول: إن الله خلقه منفصلًا عنه كسائر المخلوقات، وليس يعود إليه من خلق حكم من الأحكام أصلًا، بل ذلك بمنزلة خلق السماء والأرض، وكلام الذراع المسموم (٢)، ونطق الأيدي والأرجل (٣) وغير ذلك، مما خلقه الله تعالى من الموصوفات والأفعال والصفات، ومما يعلم باضطرار أن ما كان كذلك فلا بد أن يصفه الله - تعالى - بالخلق كما وصف غيره من المخلوقات، ولا يجوز -أيضًا- أن يضاف إلى الله - تعالى - إضافة اختصاص يتميز بها عن غيره من المخلوقات إذ لا اختصاص له أصلًا، فلا يكون كلامًا لله - تعالى - ولا قولًا أصلًا.

والقرآن كله يثبت له صفة الاختصاص بالقول والكلام، ولم يثبت قط له الصفة المشتركة بينه وبين سائر المخلوقات من صفة الخلق، فالقرآن دل على الفرق بين القول والمقول، وبين المخلوق المفعول.

قال الإمام أحمد (٤): (وقد ذكر الله - تعالى - كلامه في غير موضع


(١) في الأصل، س: وكان. والمثبت من: ط.
(٢) إشارة إلى ما ورد في حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة خيبر، وأن الذراع أخبرت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها مسمومة.
وقد تقدم الكلام على هذا الحديث ص: ٢٨٠.
(٣) كما دل على ذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: ٦٥].
(٤) الرد على الجهمية والزنادقة - ص: ١١٧، ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>