". . والمذهب أنَّه (يعني التصديق) غير العلم والمعرفة، لأنَّ من الكفار من كان يعرف الحق ولا يصدق به عنادًا واستكبارًا، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ١٤٦ / البقرة. وقال: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} ١٤٤ / البقرة. وقال {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا. . .} ١٤ / النمل. وقال حكاية عن موسى - عليه السلام - لفرعون {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} ١٠٢ / الإسراء. فاحتيج إلى الفرق بين العلم بما جاء به النَّبيُّ - عليه السلام - وهو معرفته وبين التصديق ليصبح كون الأول حاصلًا للمعاندين دون الثَّاني، وكون الثَّاني إيمانًا دون الأول، فاقتصر بعضهم على أن ضد التصديق هو الإنكار والتكذيب، وضد المعرفة النكارة والجهالة، وإليه أشار الإمام الغزالي -رحمه الله- حيث فسر التصديق بالتسليم، فإنَّه لا يكون مع الإنكار والاستكبار بخلاف العلم والمعرفة". وفصل بعضهم زيادة تفصيل وقال: التصديق عبارة عن ربط القلب بما علم من إخبار المخبر، وهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق، ولهذا يؤمر ويثاب عليه، بل يجعل رأس العبادات، بخلاف المعرفة فإنَّها ربما تحصل بلا كسب، كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنَّه جدار أو حجر". فالأشاعرة يفرقون بينهما -كما تقدم- فإنهم يجعلون المعرفة ضد النكارة والجهل وهي حاصلة للمعاندين كإبليس وفرعون، وهي تقع ضرورة وبلا كسب واختيار بخلاف التصديق فهو ضد الإنكار والتكذيب، وهو غير حاصل للمعاندين، ويقع بالكسب والاختيار. وشيخ الإسلام -رحمه الله- فيما أظن -لا يميل إلى التَّفريق بينهما، ويصف الفرق بينهما بأنه أمر دقيق وأكثر العقلاء ينكره فيقول -رحمه الله- في كتابه "الإيمان" ص: ٣٤٠: ". . والفرق بين معرفة القلب وبين مجرد تصديق القلب الخالي عن الانقياد الذي يجعل قول القلب أمر دقيق، وأكثر العقلاء ينكرونه، وبتقدير صحته لا يجب على كل أحد أن يوجب شيئين لا يتصور الفرق بينهما، وأكثر النَّاس =