للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلان أن يعتقد كذا وكذا، وأن لا يتعرض لكذا وكذا، إيجاب عليه لهذا الاعتقاد وتحريم عليه لهذا الفعل؟، وإذا كانوا لا يرون خروجه من السجن إلّا بالموافقة على ذلك فقد استحلوا عقوبته وحبسه حتى يطيعهم في ذلك، فإذا لم يكن ما أمروا به قد أمر الله به ورسوله، وما نهوا عنه قد نهى الله عنه ورسوله، كانوا بمنزلة من ذكر من الخوارج والروافض والجهمية المشابهين للمشركين والمرتدين ومعلوم أن هذا الذي قالوه لا يوجد في كلام الله ورسوله بحال، وهم -أيضًا- لم يبينوا أنه يوجد في كلام الله ورسوله، فلو كان هذا موجودًا في كلام الله ورسوله لكان عليهم بيان ذلك، لأن العقوبات لا تجوز إلّا بعد إقامة الحجة، كما قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (١)، فإذا لم يقيموا حجة الله التي يعاقب من خالفها، بل لا يوجد ما ذكروه في حجة الله، وقد نهوا عن تبليغ حجة الله ورسوله، كان هذا من أعظم الأمور مماثلة لما ذكر من حال الخوارج، المارقين المضاهين للمشركين والمرتدين والمنافقين" (٢).

٢ - أنه رحمه الله نظر إلى الفتنة على أنها أشد الفتن جرمًا، وأنه قد بذل في إذاعتها وإكراه الناس عليها ما لم يبذل في بدع أخرى، فقال -رحمه الله-:

"فإن مسألة القرآن وقع فيها بين السلف والخلف من الإضراب والنزاع ما لم يقع نظيره في مسألة العلو والارتفاع، إذ لم يكن على عهد السلف من يبوح بإنكار ذلك ونفيه، كما كان على عهدهم من باح بإظهار القول بخلق القرآن، ولا اجترأ الجهمية إذ ذاك على دعاء الناس إلى نفي علو الله على عرشه، بل ولا أظهرت ذلك، كما اجترؤوا على دعاء الناس إلى القول بخلق القرآن، وامتحانهم على ذلك، وعقوبة من لم يجبهم بالحبس، والضرب، والقتل، وقطع الرزق، والعزل عن الولايات، ومنع قبول الشهادة، وترك افتدائهم من أسر العدو، إلى غير ذلك من العقوبات التي إنما تصلح لمن خرج عن الإسلام، وبدلوا بذلك الدين نحو تبديل كثير من المرتدين، فأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في


(١) سورة الإسراء. الآية ١٥.
(٢) انظر: ص: ١٧٦ - ١٨٣ من هذا الكتاب- قسم التحقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>