سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، فجاهدوا في الله حق جهاده، متبعين سبيل الصدّيق وإخوانه الذين جاهدوا المرتدين، بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وسمه المسلمون بالإمامة، وبأنه الصديق الثاني، من كان أحق بهذا التحقيق عن فتور الواني.
فإن أولئك الجهمية جعلوا المؤمنين كفارًا مرتدين، وجعلوا ما هو من الكفر والتكذيب للرسول إيمانًا وعلمًا، ولبسوا على الأئمة والأمة الحق بالباطل، وكانت فتنتهم في الدين أعظم ضررًا من فتنة الخوارج المارقين، فإن أولئك -وإن كفّروا المؤمنين واستحلوا دماءهم وأموالهم- فلم تكن فتنتهم الجحود بكلام ربّ العالمين، وأسمائه، وصفاته، وما هو عليه في حقيقة ذاته، بل كانت فيما دون ذلك من الخروج عن السنة المشروعة وإن كان أهل المقالات قد نقلوا أن قول الخوارج في التوحيد هو قول الجهمية والمعتزلة، فهذا شر للجهمية، لكن يشبه -والله أعلم- أن يكون ذلك قد قاله من بقايا الخوارج من كان موجودًا حين حدوث مقالات جهم في أوائل المائة الثانية، فأما قبل ذلك فلم يكن قد حدث في الإسلام قول جهم في نفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وإنكار أن يكون الله على عرشه، ونحو ذلك، فلا يصح إضافة هذا القول إلى أحد من المسلمين قبل المائة الثانية، لا من الخوارج، ولا من غيرهم، فإن لم يكن في الإسلام إذ ذاك من يتكلم بشيء من هذه السلوب الجهمية، ولا نقل أحد عن الخوارج المعروفين -إذ ذاك- ولا عن غيرهم شيئًا من هذه المقالات الجهمية" (١).
٣ - كشف الشيخ -رحمه الله- موقف الذين خاضوا في فتنة القائلين بخلق القرآن عن تخبطهم وضلالهم في زعمهم الإيمان بما جاءت به الرسل، وهم ينكرون في الوقت نفسه مضمون ما جاءت به الرسل، فحقيقة قولهم إنكار صفات الله -تعالى-، ومنها كونه -سبحانه- متكلمًا بكلام قائم به، فقال:
"إن الجهمية لما أحدثت القول بأن القرآن مخلوق، ومعناه أن الله لم