يصف نفسه بالكلام أصلًا، بل حقيقته أن الله لم يتكلم ولا يتكلم كما أفصح به رأسهم الأول الجعد بن درهم، حيث زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، لأن الخلة إنما تكون من المحبة، وعنده أن الله لا يحب شيئًا في الحقيقة، ولا يحبه شيء في الحقيقة، فلا يتخذ شيئًا خليلًا، وكذلك الكلام يمتنع عنده على الرب تعالى.
وكذلك نفت الجهمية من المعتزلة وغيرهم أن يكون لله كلام قائم به، أو إرادة قائمة به، وادعوا ما باهتوا به صريح العقل المعلوم بالضرورة أن المتكلم يكون متكلمًا بكلام يكون في غيره، وقالوا: -أيضًا- يكون مريدًا بإرادة ليست فيه ولا في غيره، أو الإرادة وصف عدمي، أو ليست غير الإرادات المخلوقة، وغير الأمر وهو الصوت المخلوق في غيره.
فكان حقيقة قولهم: التكذيب بحقيقة ما أخبرت به الرسل من كلام الله ومحبته ومشيئته، وإن كانوا قد يقرون بإطلاق الألفاظ التي أطلقتها الرسل، وهذا حال الزنادقة المنافقين، من الصابئين والمشركين، من المتفلسفة والقرامطة ونحوهم، فيما أخبرت به الرسل في باب الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، بل وفيما أمرت به -أيضًا- وهم مع ذلك يقرون بكثير مما أخبرت به الرسل وتعظيم أقدارهم، فهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض" (١).
٤ - أنه -رحمه الله- أدلى بدلوه في الرد على من تولى كبر فتنة القول بخلق القرآن، فرد عليهم ردًّا منطقيًّا بإيراده لمجموعة من الأمثلة التي يستحيل معها أن المتكلم بكلام يكون قائمًا بغيره ولا يقوم به، فقال -رحمه الله-:
"فلما ابتدعت الجهمية هذه المقالات في أثناء المائة الثانية أنكر ذلك سلف الأمة وأئمتها، ثم استفحل أمرهم في أوائل المائة الثالثة بسبب ما أدخلوه في شركهم وفريتهم من ولاة الأمور، وجرت المحنة المشهودة، وكانت أئمة الهدى على ما جاءت به الرسل عن الله من أن القرآن كلام الله تكلم به هو سبحانه، وهو منه قائم به، وما كان كذلك لم يكن مخلوقًا، إنما