للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعل (١) أولئك الذي هو كلام واحد، ينزل لا ينزل، ينزل من جهة كونه أمرًا، لا ينزل من جهة كونه خبرًا.

وأيضًا -فإنهم ضاهوا النصارى في تحريف مسمى الكلمة والكلام، فإن المسيح سمي كلمة الله، لأن الله خلقه بكلمته "كن فيكون" كما يسمى متعلق الصفات بأسمائها، فيسمى المقدور قدرة، والمعلوم علمًا، وما يرحم به رحمة، والمأمور به أمرًا، وهذا كثير قد بسطناه في غير هذا الموضع (٢)، لكن هذه الكلمة تارة يجعلونها صفة لله، ويقولون: هي العلم، وتارة يجعلونها جوهرًا قائمًا بنفسه، وهي المتحد بالمسيح، وهؤلاء حرفوا مسمى الكلام، فزعموا أنه ليس إلّا مجرد المعنى، وأن ذلك المعنى ليس هو العلم، ولا الإرادة، ولا ما هو من جنس ذلك، ولكن هو شيء واحد، وهو حقائق مختلفة، لكن ليس في المسلمين من يقول: الكلام جوهر قائم بنفسه، إلّا ما يذكر عن النظام (٣) أنه قال: الكلام الذي هو الصوت جسم من الأجسام.

وأيضًا -فهم في لفظ القرآن الذي هو (٤) حروف (٥) واشتماله على المعنى، لهم مضاهاة قوية بالنصارى في جسد المسيح، الذي هو متدرع للاهوت، فإن هؤلاء متفقون على أن حروف القرآن ليست من كلام الله، بل هي مخلوقة، كما أن النصارى متفقون على أن جسد المسيح لم يكن


(١) في جميع النسخ: اجعل. ولعل ما أثبته يستقيم به الكلام.
(٢) الشيخ -رحمه الله- بسط الكلام على هذه المسألة في بعض رسائله فقال: ". . فبينت في بعض رسائلي: أن الأمر وغيره من الصفات يطلق على الصفة تارة وعلى متعلقها أخرى. . ". مجموع الفتاوى ٦/ ١٨.
(٣) تقدم التعريف به. وانظر رأيه هذا في "مقالات الإسلاميين" للأشعري ١/ ٢٦٧، ٢٦٨.
(٤) هو: ساقطة من: س، ط.
(٥) في س، ط: حروفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>