للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالكشف والنور الإلهي لا يتأول، وما لم يعلم ثبوته بذلك يتأول (١) , وكلا الطريقين (٢) ضلال وخطأ من وجوه:

أحدها:

أن يقال: عدم الدليل ليس دليل العدم، فإن عدم العلم بالشيء بعقل أو كشف لا يقتضي (٣) أن يكون معدومًا، فمن أين لكم ما دلت عليه النصوص أو الظواهر، ولم تعلموا انتفاءه، أنه منتف في نفس الأمر؟

الوجه (٤) الثاني:

أن هذا في الحقيقة عزل للرسول، واستغناء عنه، وجعله بمنزلة شيخ من شيوخ المتكلمين أو الصوفية، فإن المتكلم مع المتكلم، والمتصوف مع المتصوف، يوافقه فيما علمه بنظره أو كشفه، دون ما لم يعلمه بنظره أو كشفه بل ما ذكروه فيه تنقيص للرسول عن درجة المتكلم والمتصوف، فإن المتكلم والمتصوف إذا قال نظيره شيئًا، ولم يعلم ثبوته ولا انتفاؤه لا نثبته ولا ننفيه، وهؤلاء ينفون معاني النصوص


(١) ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" ١/ ١٠٤: أنه لا يستدل بالسمع على شيء من العلم الخبري، وإنما يعرف الإنسان الحق بنور إلهي يقذف في قلبه، ثم يعرض الوارد في السمع عليه، فما كان موافقًا له قرر، وما خالفه أول، فقال: "وحد الاقتصاد بين هذا الانحلال كله، وبين جمود الحنابلة دقيق غامض لا يطلع عليه إلا الموفقون الذين يدركون الأمور بنور إلهي، لا بالسماع، ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه، نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه وما خالف أولوه".
والشيخ -رحمه الله- بين أن هذا الكلام بعيد عن الصواب وضلال معتقده ظاهر من وجوه خمسة.
(٢) في س: الطريقتين.
(٣) في الأصل: لا بعقل يقتضي. والكلام يستقيم بدون الزيادة كما في: س، ط.
(٤) الوجه: ساقطة من: س.

<<  <  ج: ص:  >  >>