للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنه لو كان الكلام مخلوقًا من جسم من الأجسام لكان ذلك الجسم هو متكلم به، فكانت الشجرة هي القائلة لموسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (١) فهذا مذهب سلف الأمة وأئمتها.

ومن قال: إن المتكلم من فعل الكلام لزمه أن يكون كل كلام خلقه الله في محل كلامًا له، بل يكون إنطاقه للجلود كلامًا له، بل يكون إنطاقه لكل ناطق كلامًا له، وإلى هذا ذهب الاتحادية من الجهمية الحلولية الذين يقولون: إن وجوده عين الموجودات، فيقول قائلهم:

وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه (٢)

لكن المعتزلة أجود منكم، حيث سموا (٣) هذا القرآن الذي نزل به جبرئيل كلام الله، كما يقوله سائر المسلمين، وأنتم جعلتموه كلامه مجازًا، ومن جعله منكم حقيقة وجعل لفظ الكلام مشتركًا (٤)، كأبي المعالي وأتباعه، انتقضت قاعدته في أن المتكلم بالكلام من قام به، ولم يمكنكم أن تقولوا بقول أهل السنة فإن أهل السنة يقولون: الكلام كلام من قاله مبتدئًا لا كلام من قاله مبلغًا مؤديًا. فالرجل إذا بلغ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (٥) كان قد بلغ كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بحركاته وأصواته، وكذا (٦). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


(١) سورة طه، الآية: ١٤.
(٢) في ط: نظمه. وهو خطأ.
قائل البيت: محيي الدين بن عربي، وقد ذكره في "الفتوحات المكية" ٤/ ١٤١ بلفظ: ألا كل قول في الوجود. . .
(٣) في الأصل: سمعوا. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق.
(٤) في الأصل: اشتراكًا. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب.
(٥) تقدم تخريجه ص: ٥٣٨.
(٦) في س، ط: وكذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>