للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكن لحدوثه سبب جاز ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بلا مرجح، وهذا يبطل جميع أصولكم وأصول المعتزلة والفلاسفة، ويبطل إثباتكم لوجود الصانع، فأنتم مع الفلاسفة بين أمرين: إما أن تجوزوا حوادث لا أول لها فيبطل دليلكم عليهم الذي أثبتم به حدوث العالم وهو أصل الأصول عندكم وإما أن لا تجوزوا ذلك، فيبطل -أيضًا- دليلكم على حدوث العالم، فعلى كلا التقديرين دليلكم الذي هو أصل أصولكم على حدوث العالم باطل، وأما المعتزلة فهم يوافقونكم على هذا الأصل، لكن خطاب الفلاسفة لهم كخطاب الفلاسفة لكم، وأما خطاب المعتزلة فإنهم يقولون لكم: إذا سلمتم أن ما تقوم به الحوادث لا يكون إلا جسمًا لزمكم أن تقولوا: ما تقوم به الأعراض لا يكون جسمًا، إذ لا فرق في (١) المعقول بين قيام الأعراض والحوادث، وإذا كان ما قام به الأعراض لا يكون إلا جسمًا، وأنتم قد قلتم: تقوم به الصفات وهي في الحقيقة الأعراض، لزمكم (٢) أن يكون جسمًا، والجسم حادث، فيلزم أن يكون حادثًا، ويقول لكم المعتزلي: إن قيام الكلام والحياة والعلم والقدرة ونحو ذلك بمحل ليس بجسم، ودعوى أن هذه الصفات ليست أعراضًا أمر معلوم الفساد بالضرورة، وكان جوابكم للمعتزلة في هذا المقام أن قلتم لهم: كما اتفقنا نحن وأنتم على أن الله حي عالم قادر وليس بجسم، فذلك يجب أن تكون له حياة وعلم وقدرة وليست أعراضًا، وتقوم به ولا يكون جسمًا.

ومعلوم أن هذا الجواب ليس بعلمي ولا يحصل به انقطاع المعتزلة ولا غيرهم، إذ يقال لكم: المعتزلة مخطئون إما في قولهم: إن هذه الأسماء تثبت لغير جسم، وإما في قولهم: إن هذه الصفات لا تقوم إلّا


(١) في الأصل: بين. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب.
(٢) في س، ط: لزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>