للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه وغفر له" (١).

الخامس: أن الله قد أكدَّ عفوه عنهم بـ (اللام) و (قد)، وذلك في قوله: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}، ثم وصف نفسه بالمغفرة في قوله {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} ليؤكد أن العفو من شؤونه سبحانه، ووصف نفسه بالحِلم في قوله {حَلِيمٌ} ليبين أنه سبحانه لا يعاجل بالعقوبة، وكل هذا من تطمين الله لهم وإبعاد الخوف عن قلوبهم رضي الله عنهم (٢).

السادس: أن الله ذكر عفوه عنهم في نفس السياق الذي عاتبهم فيه على ذنبهم، وهذا من ألطف المعاتبة، كما في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣].

السابع: أن الله أنزل هذه الآية في عفوه عنهم مباشرة بعد وقوع الذنب منهم (٣)، ولم يؤخر العفو كما فعل بغيرهم، وذلك في قوله: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ١٠٦].

الثامن: أن الله ذكر عفوه عنهم من غير أن يذكر توبتهم، وهذا يدل على تفضله سبحانه عليهم وتمام رضاه عنهم، وقد استشهد ابن تيمية بهذه الآية مقتصرًا عليها في بيان العفو المطلق الذي يكون بترك المؤاخذة بالذنب وإن لم يتب صاحبه (٤).

التاسع: أن الله جعل هذا العفو قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة، فلم يكن خبرًا يذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وينتهي أمره، بل هو قرآنٌ يقرأه المؤمنون من بعدهم فيترَضَّون عنهم ويشهدون بفضلهم ومكانتهم عند ربهم.


(١) رواه البخاري في صحيحه (٥/ ١٥/ ٣٦٩٨).
(٢) ينظر في زهرة التفاسير لأبي زهرة (٣/ ١٤٦٦ – ١٤٦٧)، وتفسير العثيمين لسورة آل عمران (٢/ ٣٤٥).
(٣) روي عن عمر رضي الله عنه أن الآية نزلت في أواخر المعركة كما عند الطبري في تفسيره (٦/ ١٧٢)، وينظر الاستيعاب في بيان الأسباب لسليم بن عيد الهلالي ومحمد بن موسى آل نصر (١/ ٣١٧).
(٤) ينظر في الصارم المسلول (ص: ٤٦٥).

<<  <   >  >>