للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دل عليه قوله تعالى في الآيات الآتية: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: ١٦٧] (١).

كما أن قوله تعالى {قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا} فيه تخفيف للمصيبة المذكورة، وامتنان بالنعمة السابقة، وهذا التخفيف والامتنان أولى أن يُخاطَب به المؤمنون.

فإذا تقرر أن الخطاب في أول الآية للمؤمنين، فإن الظاهر أن يكون الخطاب في آخرها لهم، ولم تظهر قرينة لفظية توجب صرف الخطاب عنهم، بل الظاهر في اللفظ أن المُتحدَّث عنهم في الآية هم فئةٌ واحدة، وليسوا فئتين؛ مؤمنين ومنافقين، وهذا ما يظهر من الضمائر المتصلة في قوله: {أَصَابَتْكُم}، وقوله: {أَصَبْتُم}، وقوله: {قُلْتُمْ}، وقوله: {أَنفُسِكُمْ}، والقاعدة تقول أن "إعادة الضمير إلى المُحدَّث عنه أولى من إعادته إلى غيره" (٢)، وأيضًا فإن "توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد أولى من تفريقها" (٣)، فجعلُ مرجع الضمائر هنا في المؤمنين خاصة، أولى من تفريقها بين المؤمنين والمنافقين.

ولا يمكن جعل الخطاب في الآية للمنافقين إلا بالتجوُّز بالإصابة، كما ذكر السمين الحلبي، بإن ما أصاب المؤمنين هو مصيبةٌ لهم، أو بتقدير محذوف، بمعنى: ولما أصاب إخوانكم، وكل هذا يخالف الظاهر، وإبقاء الكلام على ظاهره أولى، كما أن هذا لا يناسب من حيث المعنى، فإذا تأملت قوله تعالى في المنافقين {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: ١٢٠] تبيَّن لك أنهم لا يشاركون المؤمنين حزنًا على مصيبتهم، ولا يشاركونهم فرحًا بما أصابوه، فليس لهم شأنٌ يُذكر في قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا}.

وأما مناسبة قوله تعالى {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} لأن يكون مقولةً من مقولات المنافقين بعد الغزوة، فهذا لا يؤيده ما ثبت في الواقع، فإن الروايات في سبب نزول الآية تدل على أن هذه المقولة من قول المؤمنين، وأن الردَّ في قوله {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنفُسِكُمْ} هو ردٌّ عليهم، ولا


(١) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ٢٢٢ - ٢٢٣) وما ذكره من الروايات في ذلك.
(٢) ينظر في قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين بن علي الحربي (٢/ ٦٠٣ - ٦٠٥).
(٣) ينظر في قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين بن علي الحربي (٢/ ٦١٣ - ٦٢٠).

<<  <   >  >>