متضمنٌ لجوده وكرمه ولطفه بعباده الذين بذلوا الحياة لأجله، فجعل لهم حياة خاصة عنده بالقُرب منه سبحانه.
ومَن نفى هذا القرب وزعم أن ذلك من تنزيه الله عن التجسيم فإنه ينفي تبعًا لذلك عددًا من صفات الكمال له ويغلط فيها، كعُلُوه سبحانه على خلقه، وتجليه لهم، وما ذاك إلا تنقصٌ لله جل جلاله؛ قال ابن تيمية رحمه الله رادًا على من نفى صفات الكمال بحجة التجسيم:"لفظ الجسم فيه إجمال:
قد يُراد به المُرَكَّب الذي كانت أجزاؤه مفرقةً فجُمعت، أو ما يقبل التفريق والانفصال، أو المُرَكَّب من مادةٍ وصورة، أو المُرَكَّب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجواهر الفردة، والله تعالى مُنَزَّه عن ذلك كله: عن أن يكون كان متفرقًا فاجتمع، أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة بعض الشيء بعضًا وانفصاله عنه، أو غير ذلك من التركيب الممتنع عليه.
وقد يراد بالجسم ما يُشار إليه، أو ما يرى، أو ما تقوم به الصفات، والله تعالى يرى في الآخرة وتقوم به الصفات، ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم.
فإن أراد بقوله (ليس بجسم) هذا المعنى قيل له: هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنًى ثابتٌ بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأنت لم تُقِم دليلًا على نفيه.
وأما اللفظ فبدعةٌ نفيًا وإثباتًا، فليس في الكتاب ولا السنة ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها إطلاق لفظ (الجسم) في صفات الله تعالى، لا نفيًا ولا إثباتًا.
وكذلك لفظ (الجوهر) و (المتحيِّز) ونحو ذلك من الألفاظ التي تنازع أهل الكلام المُحدَث فيها نفيًا وإثباتًا" (١).
وبهذا يتبين أن مَنْ نفى قُرب الشهداء من الله سبحانه زاعمًا تنزيهه عن التجسيم فإنه لم ينزهه، وإنما تعلَّق بشُبهة عريضة خالف بها ما ثبت في السنة من قُرب الشهداء من ربهم سبحانه، وخالف تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمور الغيبية التي يكون بيانه لها هو أكمل البيان.
وعليه فلا يصح العدول عن ظاهر اللفظ من أن الشهداء عن ربهم حقيقةً إلى أن يكون قوله {عِنْدَ رَبِّهِمْ} مجازًا في التكريم ورفع المنزلة لمخالفة ذلك لسياق الآية وما ثبت في السنة،