للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعليلًا للقول الأول، وجعل قوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْأخِرَةِ} تعليلًا للقول الثاني، وهذا غير ظاهر، فإن الجملتين متصلتين في التعليل لعلةٍ واحدة، ثم إن الجملة الثانية لا يناسب أن تكون تعليلًا للقول الثاني، فإنه إن كان حزن النبي صلى الله عليه وسلم لأجل إعراض قومه، فالمناسب له -كما في الآيات الأخرى- ردُّ أمر الهداية إلى الله، بخلاف الإخبار بحرمانهم من حظ الآخرة، فإن هذا مما يزيد من ذلك الحزن.

وأما الاستشهاد بقوله: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} إلى قوله {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}، وقوله: {وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ}، ونحو هذه الآيات التي ذُكر فيها حزن النبي صلى الله عليه وسلم لأجل إعراض قومه، فإنه قد ذُكر في هذه الآيات ما يسلي النبي صلى الله عليه وسلم من ردِّ الأمر إلى الله، وأما هذه الآية فقد جاء فيها التعقيب بقوله تعالى: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئا}، وهذا مما يُشكل على القول الثاني؛ إذ لا يظهر أنه يتلاءم مع معنى التسلية كما أشار إليه السمين الحلبي، بل الأقرب أنه من باب تطمين النبي صلى الله عليه وسلم مما يحذره، ولذلك جاء بصيغة المضارع إشارة للمستقبل، ولم يكن بصيغة المضي.

وأما القول الأول فإنه قد يُشكل عليه أن الحكمة المذكورة فيه هي تطمين النبي صلى الله عليه وسلم مما يخاف منه ويحذر، وكذلك التعليل الذي جاء في الآية: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئا}؛ إن كان المراد منه التطمين من الخوف، فالأنسب أن يكون النهي في الآية عن الخوف لا عن الحزن، فالقول الأول وما ذُكر فيه هو ألصق بالخوف من الحزن، والنهي في الآية إنما جاء عن الحزن.

ويمكن أن يجاب عنه بأن الحزن إما أن يكون من فوات أمرٍ محبوب أو حصول أمرٍ مكروه، والحزن الذي في الآية إنما هو بسبب حصول المكروه (١)، وذلك بتزايد الشر بمسارعة الذين يسارعون في الكفر، فجاء التطمين من الله تعالى بأن هذا المكروه الذي هو سبب الحزن لن يضر الله شيئا، وفي هذا تهوينٌ من خطره.


(١) ذكره ابن عرفة في تفسيره (٣/ ٢٧٤).

<<  <   >  >>