للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين (١)، ولعل في هذا إشارة إلى أن لهذا القول أصلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروي أيضًا عن التابعين كالحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما أقوالٌ أخرى تؤيد أن الآية في عموم الكافرين (٢).

وروي عن السدي إشارةٌ إلى أن الآية في مشركي مكة، وصرَّح بذلك مقاتل في تفسيره (٣)، ومال إليه بعض المفسرين (٤).

وأما الأقوال الأخرى فلم أقف على شيءٍ منها مسندًا، فذُكر عن ابن عباس أن الآية نزلت في اليهود والنصارى والمنافقين، وذُكر عن عطاء أنها نزلت في قريظة والنضير (٥).

ورجَّح الرازي أن الآية في شأن المنافقين القاعدين عن القتال (٦).

أما قول الزجاج فلا يظهر مما ذكره في معاني القرآن وإعرابه (٧) أنه يخصُّ الآية بطائفةٍ معينةٍ من الكافرين، فإنه قال: "معنى {نُمْلِي لَهُمْ}: نؤخرهم، وهؤلاء قومٌ أعلم الله النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يؤمنون أبدًا، وأن بقاءهم يزيدهم كفرًا وإثمًا"، والذي يظهر من كلامه أنه أراد بيان معنى الإملاء، وأن مَنْ أملى الله له فإنه لا يؤمن، بل يزداد كفرًا وإثمًا، وهذا المعنى يمكن ينطبق على كل كافر من اليهود والمشركين وغيرهم من المخاطبين، وليس خاصًّا بأحدهم.

وحكى هذا المعنى أبو بكر الأنباري، فذكر أن جماعة من أهل العلم يقولون أن الله عز جل أنزل هذه الآية في قوم يعاندون الحق؛ سبق في علمه أنهم لا يؤمنون، ورجَّح هذه المعنى مكي


(١) ينظر قولُ ابن عباس في تفسير القرطبي (٤/ ٢٨٨) وعزاه إلى رزين، وقولُ أبي برزة في الدر المنثور للسيوطي (٢/ ٣٩٢) وعزاه إلى عبد بن حميد، وذكر صديق حسن خان في فتح البيان (٢/ ٣٨٤) أنه روي نحوه عن أبي هريرة.
(٢) روى ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٨٢٣) قول الحسن وأبي الأحوص، وروى سعيد بن منصور في التفسير من سننه (٣/ ١١٢٧) قول محمد بن كعب القرظي.
(٣) ينظر في المصدر السابق لرواية ابن أبي حاتم قولَ السدي، وينظر في تفسير مقاتل للآية (١/ ٣١٧) ولم يذكر هنالك أن الآية نزلت في مشركي مكة، لكن ذكر عنه ذلك الثعلبي في تفسيره، ثم تبعه البغوي وابن الجوزي كما سيأتي.
(٤) ينظر في تفسير المنار لرشيد رضا (٤/ ٢٠٤) والتحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٧٥).
(٥) ينظر في تفسير الثعلبي (٩/ ٤٧٩) والبغوي (١/ ٥٤٣)، وزاد المسير لابن الجوزي (١/ ٣٥١).
(٦) ينظر في تفسير الرازي (٩/ ٤٣٨ - ٤٣٩).
(٧) (١/ ٤٩١)، والمنقول عن الزجاج في المسألة هو في الهداية لمكي بن أبي طالب (٢/ ١١٨٦)، ولم ينسبه لأحد.

<<  <   >  >>