للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل من خُوطب بهذه الآية فإنه لن يؤمن، وهذا يخالف ما يكون في الإملاء نفسه، فإن الله يحتج على الكافرين الذين أملاهم بأنه أمهلهم مدة يمكنهم التذكر فيها، فلو كان الذين أملاهم الله لا يؤمنون لم يستقم أن يحتج الله عليهم بذلك الإملاء؛ قال الله في شأن الكافرين كلهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ٣٦ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَّصِيرٍ} [فاطر: ٣٦ - ٣٧]، فصرَّح بأنه قطع عذرهم في الدنيا بالإمهال مدةً يتذكرون فيها، وجعل الإملاء حجةً عليهم كما جعل النذير حجة كذلك (١).

ولا يلزم من أن الله أملاهم ليزدادوا إثما أن تكون عاقبة أمرهم أنهم لا يؤمنون، بل إن الإملاء هو عقوبة لهم، وازديادهم من الإثم عقوبة، فإن رجعوا إلى الله وآمنوا لم يكن للعقوبة محل، ولم يكن لهم إملاء يزدادون به إثما.

وأما الأقوال الأخرى في المسألة التي فيها تعيين أن الآية نزلت في طائفة معينة من الكافرين فليس لها شاهد من ألفاظ النزول، فليس في الروايات شيء مسند يؤيد أحد الأقوال إلا ما رواه السدي مما يؤيد أن الآية في مشركي مكة، لكن ليس فيما رواه السدي ذكر شيء من ألفاظ النزول، فيمكن حمل قوله على التمثيل كما حُملت الأقوال في المسألة السابقة على التمثيل.

وأما الاستشهاد لبعض الأقوال بما ذُكر في مناسبة الآيات مع السياق فليس مما يمنع القول بأن الآية نزلت في عموم الكافرين، فيكون للآية أكثر من مناسبة في الرد على المنافقين والمشركين وغيرهم.

ومما يشير إلى أن الآية في عموم الكافرين أن الآيات قبلها جاء فيها ذكر الكافرين بالعموم كما تقدَّم، فلو كانت هذه الآية أُريد بها طائفة معنية من الكافرين لجاء التصريح بذلك، وإلا فتحمل على ظاهرها في هذا السياق من أنها في عموم الكافرين، فكون هذه الآية في سياق عموم الكافرين يدل على عمومها.


(١) ينظر في أضواء البيان للشنقيطي (٢/ ١٦)، (٨/ ٤٤٥)، والعذب النمير له أيضًا (٣/ ٦١٨).

<<  <   >  >>