للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامسًا: الاكتفاء بنقل أقوال غيره في تقوية الأقوال وتضعيفها من غير التعقيب عليها:

قد يكتفي السمين الحلبي بالنقل عن غيره في مناقشة الأقوال في المسألة والتعقيب عليها من غير أن يناقش الأقوالَ بنفسه، ويظهر ذلك جليًّا في نقله لردود شيخه أبي حيان على الزمخشري، فإذا نقل حكم غيره على قولٍ في المسألة ولم يُعقِّب عليه فإن ذلك يدل على تبَنيه لذلك الحكم، فإن المعروف عنه أنه لا ينقل القولَ الذي يُنكِره إلا ويُعقِّب عليه، كما سيأتي بيانه فيما تميَّز به في الترجيح والتضعيف ومناقشة الأقوال.

ومثال هذه الطريقة قوله رحمه الله: "وفي {فَأَثَابَكُمْ} [آل عمران: ١٥٣] (١) وجهان:

أحدهما: أنه عطف على: {صَرَفَكُمْ} [آل عمران: ١٥٢]، وبهذا قال الزمخشري كما قدمنا تقريره عنه، وناقشه فيه الشيخ فقال: «وفيه بُعد لِطول الفصل بين المتعاطفين» (٢).

والثاني: أنه عطف على: {تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُنَ} [آل عمران: ١٥٣]، فيكون في موضع خفضٍ بإضافةٍ إليه (٣)، وجعل الشيخ هذا هو الظاهر" (٤). فلم يحكم السمين الحلبي هنا على أحد القولين بشيء، وإنما اكتفى بالنقل عن شيخه أبي حيان في تضعيف القول الأول وترجيح القول الثاني، وحين نرجع إلى الدر المصون يظهر لنا أنه يُرجِّح ما رجَّحه شيخه، فإنه قد حكم بنفسه على قول الزمخشري وضعَّفه، فدل على ترجيحه للقول الآخر (٥).

سادسًا: تضعيف الأقوال في المسألة سوى قول واحد:

تقدَّم بيان هذه الطريقة وأنها أصلٌ مُعتبَرٌ في الترجيح، كما جاءت الإشارة إليها في التعريف الاصطلاحي للترجيح، ومن أمثلتها ما جاء عند قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلا} [آل عمران: ١٤٥]، فقد قال رحمه الله: "وفي {كَانَ}


(١) في نسخة الكتاب: "وفي {ما فاتكم} وجهان" ولعله خطأ في النسخ لتشابه الرسم، أو انتقال ذهن، لأن قوله {ما فاتكم} لم يأت بعد، ولا يستقيم القول إلا بإثبات {فأثابكم}، وهو المذكور في الدر المصون (٣/ ٤٤١).
(٢) البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٣٨٨).
(٣) أي: بإضافة (إذ) إليه.
(٤) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٤٢٩).
(٥) الدر المصون (٣/ ٤٤١).

<<  <   >  >>