أبي نصر الإسماعيلي، فأقام عنده حتى كتب عنه التعليقة، ثم ارتحل إلى إمام الحرمين بنيسابور، فاشتغل عليه ولزمه وحظي عنده، فتخرج في مدة قريبة وصار أنظر أهل زمانه، وأوحد أقرانه، وأعاد للطلبة وأفاد وأخذ في التصنيف والتعليق، وكان إمام الحرمين يفتخر به ويتبجح، ويقال: إنه كان مع ذلك يتحصر من تصانيف الغزالي وأنه لما صنف كتاب (المنخول) عرضه على الإمام، فقال: دفنتني وأنا حي، فهلا صبرت حتى أموت، لأن كتابك غطى على كتابي، وقيل
غير ذلك، والله أعلم.
ولما مات إمام الحرمين خرج الغزالي إلى العسكر، فأقبل عليه نظام الملك، وناظر الأئمة بحضرته، فظهر اسمه وشاع أمره، فولاه النظام تدريس النظامية ببغداد، فقدمها سنة أربع وثمانين في محمل كبير، وتلقاه الناس وأعجبوا بمناظرته وفضائله، وأقبل على التصنيف في الأصول والفروع والخلاف، وعظمت حشمته ببغداد حتى كانت تغلب حشمة الأمراء والأكابر، ثم انسلخ من ذلك كله وترك الوظائف والتدريس، وأقبل على العبادة والزهادة وتصفية الخاطر، وخرج إلى الحجاز الشريف سنة ثمان وثمانين، فحج ورجع إلى دمشق، فاستوطنها عشر سنين بجامعها بالمنارة الغربية منه، واجتمع بالفقيه نصر المقدسي في
زاويته التي تعرف اليوم بالغزالية، وأخذ في العبادة والتصنيف، ويقال: إنه صنف إحياء علوم الدين وعدة من كتبه بدمشق، ثم انتقل إلى القدس، ثم صار إلى مصر والإسكندرية، وعزم على الذهاب إلى ملك المغرب يوسف بن تاشفين بمراكش، فبلغه نعيه فترك ذلك ثم عاد إلى وطنه طوس وقد تهذبت الأخلاق، وارتاضت النفس، وسكنت، وتبحرت في علوم كثيرة من الأصول والفروع والشرعيات وغيرها من علوم الأوائل، وجمع من كل