بإشارة أنوشروان، إلى إن رأيت بالقاهرة سنة ست وسبعين يعني وست مائة نسخة مقامات كلها بخط مصنفها، وقد كتب بخطه أيضًا أنه صنفها للوزير جلال الدين عميد الدولة أبي الحسن علي بن صدقة وزير المسترشد، قال: ولا شك في أن هذا أصح، لأنه يخط المصنف، وتوفي الوزير المذكور في سنة اثنين وعشرين وخمس مائة، قال: وذكر الوزير كمال الدين علي بن يوسف الشيباني القفطي في تاريخ النحاة، أن أبا زيد السروجي اسمه المطهر بن سلام، وكان بصريا لغويا صحب
الحريري وتخرج به، وقال القاضي ابن خلكان: ورأيت في بعض المجاميع أن الحريري صنف المقامات أربعين مقامة، وحملها إلى بغداد فاتهمه جماعة من فضلاء بغداد، وقالوا: هي لرجل مغربي مات بالبصرة ووقعت أوراقه إلى الحريري فظفر بها فادعاها، فسأله الوزير عن صناعته، فقال: أنا رجل منشئ، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عينها، فانفرد في ناحية من الدار، وأخذ الدواة والورقة، ومكث زمانا فلم يفتح عليه بشيء يثبته، فقام خجلا، وقد كان ممن أنكر عليه دعواه علي بن أفلح الشاعر، فعمل في ذلك:
شيخ لنا من ربيعة الفرس ... ينتف عثنونه من الهوس
أنطقه الله بالمشان كما ... رماه وسط الديوان بالخرس
، وكان الحريري يذكر أنه من ربيعة الفرس، وكان يولع بنتف لحيته عند الفكرة، وكان يسكن في مسان البصرة، فلما رجع إلى بلده أكملها خمسين مقامة وسير العشر، واعتذر عن عيه بالهبية، وقيل: بل كره المقام ببغداد فتجاهل، قال: ويحكى أنه كان دميما قبيح المنظر، فأتاه رجل يزوره ويأخذ عنه، فلما رآه استزرى شكله ولبسه، قصيرا دميما نحيلا مولعًا بنتف لحيته، فنهاه الأمير عن ذلك وتوعده عليه، وكان كثير المجالسة له، فبقي مقيدا محصورا، فتكلم في بعض الأيام بكلام أعجب الأمير، فقال له: ثمنه تقطعن لحيتي، فضحك وقال: قد فعلت، مات الحريري بالبصرة في سادس رجب سنة ست عشرة وخمس
مائة عن سبعين سنة رحمه لله، وخلف ولدين، نجم الدين أبو القاسم عبد الله، وكان أديبًا كأبيه، وقاضي البصرة ضياء الإسلام عبيد الله، وقال الشيخ أبو عمرو ابن