فإن قيل: أليس في رمي الجمار لا يقوم غير الأحجار مقام الأحجار فكذلك هنا؟ قلنا: ذاك غير معقول المعنى وهو الإنقاء أو تخفيف النجاسةً وهذا يوجد في غير الأحجار.
فإذا تقرر هذا فخذ ما يجوز به الاستنجاء. قال بعض أصحابنا: هو أن يكون طاهرًا منقيًا لا حرمةً له، ولا متصلًا; بحيوان، ومعنى التقى أنه يزيل العين حتى لا يبقى إلا. أثرًا لاصقًا لا يخرجه إلا الماء.
وقال: أهل خراسان: هو أن يكون طاهرًا منشفًا لا حرمةً له. وقيل: يدل المنشف أن يكون قالعًا. وقيل: أن يكون جامدًا طاهرًا منقيًا غير مطعوم، وهذا أصح بالجامد لا بد منه؛ لأنه لو استنجى بغير الماء من المائعات كماء الورد ونحوه لا يجوز، ولو غسل الحجر النجس والماء عليه فأتم لا يجوز به الاستنجاء؛ لأنه يزيد تنجيسًا ولا يزيل شيئًا وإن كان نديًا زال عنه رطوبة الماء. ولم يجف بعده فهل يجوز استعماله؟ وجهان:
أحدهما: لا يجوز لبقاء النداوةً.
والثاني: يجوز لذهاب [٨٩ أ/] الرطوبة وقيل: يختلف بقلة النداوةً وكثرتها فأن كانت النداوةً قليلةً فإنه يجوز، والطاهر لابد منه؛ لأنه لو استنجى بروث، أو عظم ميتة، أو حجر نجس لا يجوز فإن خالف وفعل لم يقع مرع الاستنجاء.
وقال أبو حنيفة: يقع موقعه من حيث الاستحباب، وهذا غلط للخير الذي ذكرناه، نم إذا نجس هذا المحل بنجاسةً أخرى. هل يجوز أم يقتصر فيها على الحجر؟ فال بعض أصحابنا: يجوز؛ لأن هذه النجاسةً صارت تبعًا للنجاسةً الأولى وحصلت من حكمها، والصحيح أنة لا يجوز؛ لأن المحل نجس بغير الخارج منه، فهو كما لو استنجى بالماء ثم نجس ذلك المجل بنجس. غير الذي خرج منه لا يجوز الاستنجاء فيه بالحجر، كذلك ها هنا.
وأما المنقي فلا بد منه، أو هو أن يكون؛ خشنًا، فإن كان أملس كالقارورة، والجحر الصماء، والسيف الصقيل، والزجاج والصفر، والرصاص لا يجوز الاستنجاء به لأنه لا ينقي العين بل يزيد المكان تلوثًا، وكذلك كل ما لا ينقي لنعومته كالخز والحرير، وللينه كالطين والشمع، أو لضعفه ورخاوته كالفحم لا يجوز الاستنجاء به، وعلى هذا الكاغد أن كان على صقالته لم يجز الاستنجاء به وإن كان برنكس جاز، وكذلك أوراق الشجر، فإن خالف واستنجي به ينظر، فإن لم يبل النجاسةً إلى محل آخر جاز وإلا فلا يجوز وهذا معنى المنشف، لأن الأملس والشيء [٨٩ أ/] المبل لا ينشف. وأما كونه غير مطعوم لا يدمنه ويريد بالمطعوم ما كان طعامًا لنا كالخبر والتمر ونحوه، وما كان طعامًا لإخواننا من الجن كالعظم، فلا يجوز الاستنجاء به بحال طاهرًا كان أو غير طاهر، قالعًا فإن تكون رمةً وهو
العظم أو غير قالع، لأن غير الطاهر نجس والطاهر أملس أو مأكول وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال لرويفع بن ثابت الأنصاري: يا رويفع