للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الطهارة]

فإن قيل: لم بدأ بهذا الكتاب دون سائر الكتب؟ قلنا: هذا السؤال محال؛ لأنه ما من كتاب يبدأ به إلا ويتوجه عليه هذا السؤال. ثم أنه إنما بدأ به لأنه تأمل أحكام الشرع فوجدها قسمين، عبادات ومعاملات، فقدم العبادات لوجوبها على العباد من غيرها، ثم رتب العبادات على ما رتبها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما روى ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا". فكان أول الشرائع ذكرًا في هذا الخبر بعد ذكر الشهادتين هو الصلاة، غير أن الصلاة تفتقر إلى الطهارة لا تصح إلا بها، كما قال صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور". فلهذا افتتح بها بالطهارة وعقبها بالصلاة وغيرها من العبادات كما في [١٩ أ/ ١] الخبر.

فإن قيل: لم قال باب الطهارة ولم يأت فيه بأحكام الطهارة، وهي الوضوء والغسل؟ قيل: إنه بين فيه الماء الذي يتطهر به، والماء الذي لا يتطهر به وهو من حكم الطهارة أيضًا، أو نقول: مراده كتاب الطهارة أو أبوب الطهارة، ويجوز أن يعبر عن الكتاب بالباب، لأن الفقه كله كالكتاب الواحد، وكل نوع منه كتاب وباب منه، ولأن الشافعي ذكر في تصنيفه كتاب الطهارة ثم ذكر باب ما تجزئ به الطهارة، ثم افتتح بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] الآية ثم قال: والغسل إنما يكون في العادة بالماء هو ما خلقه الله ثم ذكر قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨]، وهذا أحسن، ولكن قال المزني: اختصر على ما ذكر أخيرًا.

فإن قيل: لم قال: قال الشافعي: قال الله تعالى والقولين لا يستدلان طريق صحبة التواتر والإجماع؟ قلنا: أراد أن الشافعي أحتج به، ولو لم يذكر الشافعي لظن أن المزني هو المحتج به.

فإذا تقرر هذا، وذكر قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] قوله عليه الصلاة والسلام في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميته" والأصل في طهارة الماء

<<  <  ج: ص:  >  >>