منزلةً واحدةً في الاحتمالين احتمال الإباحة واحتمال الوجوب وهلا قال: ظاهره الحتم فهو على الوجوب إلى أن يقوم الدليل قلنا: الأمر إن كان على الوجوب فهو يحتمل الإباحة، والشافعي ما ادعى أحد الاحتمالين ولكن ادعى مجرد الاحتمالين. فإن قيل أليس قد اشتغل بطلب الدليل لإجراء الأمر على أحد الاحتمالين؟ فهل دل على أنه لم يجعل صفته للوجوب؟، قلنا: بل يحمل الأمر على ظاهر الوجوب مع احتماله الإباحة ثم طلب الدليل على إزالة ظاهره في الوجوب والدليل آية الدين وهكذا يفعل في سائر الأوامر حيث ما كانت.
[باب عدة الشهود وحيث لا يجوز فيه شهادة النساء]
مسألة: قال: دل كتاب الله تعالى على أن لا يجوز في الزنا [١٢/ ١٠٧ ب] أقل من أربعة.
قد ذكرنا أن الحقوق ضربان: مجملًا والكلام الآن في شرحها وتفسيرها، فالزنا لا يثبت إلا بأربعة شهود على أي صفة كان لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: الآية (٤)]. وقوله تعالى:{لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور الآية (١٣)]. وقال - صلى الله عليه وسلم - في خبر سعد حين قال:((يا رسول الله أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلًا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء قال نعم)). وروي أن عمر رضي الله عنه جلد ثلاثة نفر شهدوا الزنا حين لم يتم الرابع.
ولأن الأمة أجمعت على أن عدد الشهود في الزنا أربعة لا يجوز النقصان منه. والمعنى في ذلك أن الناس مندوبون إلى الستر على الزاني بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لهزال:((حيث أمر ماعزًا أن يقر بالزنا هلا سترته بثوبك يا هزال)).!
فإذا شهدوا مع كونهم مندوبين إلى الستر غلظ عليهم فلم يقبل إلا أربعة ولا مدخل للنساء فيها بحال لأنه تعالى قال:{الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: الآية (٤)]. والهاء إنما تدخل على جمع المذكر وتسقط في جمع المؤنث. وروي عن عطاء وحماد بن أبي سليمان أنهما قالا: يجوز ثلاثة رجال وامرأتان لأن شهادة المرأتين تقوم مقام شهادة رجل كما في الحال، وهذا لما غلط لما ذكرنا، وقال الزهري: جرت السنة من النبي [١٢/ ١٠٨ أ]- صلى الله عليه وسلم - والخليفتين من بعده أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود.
وأما عدا الزنا من حدود الله تعالى فيقبل فيها شاهدان ذكران لأنه فعل يحصل من شخص واحد فيثبت بشاهدين كإتلاف المال، ولا يقبل فيها شاهد وامرأتان خلافًا لعطاء وحماد وهذا لأنها تدرأ بالشبهات فكانت الشهادة فيها أغلظ كالزنا لما كان أغلظ لتعديه إلى اثنين واختصاصه بإسقاط نسب الولد كانت الشهادةً فيها أغلظ مما عداه. ثم قال