مسألة: قالَ: "وقالَ بعضُ الناسِ: لا يلاعنُ إلا حرَّانِ مسلمانِ".
الفصل
قصد به الرد على أبي حنيفة وقد ذكرنا هذا فيما تقدم، وذكر الشافعي أن أبا حنيفة ترك ظاهر الآية لمعنى قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ}[النور: ٦]. ولم يفصل بين الحر والعبد، وذكر أنه قال: اللعان شهادة وليس كذلك بل هو يمين لأنه لا يجوز أن يشهد بنفسه ولكانت المرأة تأتي بثماني شهادات، لأنها على النصف من الرجل في الشهادة، وإنه يصح من الأعمى والفاسق، ولا تجوز شهادتهما، ثم ألزم نفسه سؤالاً فقال: فإن قيل: الفاسق والفاسقة قد يتوبان، قلنا: وكذلك العبد قد يعتق فتجوز شهادته ثم أكد هذا بأن العبد إذا أعتق تقبل شهادته في الحال، والفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته في الحال، ثم الذمة أن الذمي من أهل الشهادة على الذمي والذمية، وتقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض عنده فينبغي أن يجوز اللعان بين الذمي والذمية أيضًا. واعلم أن الفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته إلا بعد مدة الاستبراء، وهذه المدة قدرها بعض أصحابنا بسنة وكلام الشافعي هاهنا يدل على أنها لا تتعذر، بل الرجوع بها إلى العرف والعادة لأنه قال: لو تابا لم يقبلا إلا بعد طول مدة يختبران فيها ولم يقدر.
[باب أين يكون اللعان؟]
مسألة: قال: "قالَ: وروي عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ لاعنَ بينَ الزوجينِ على المنبرِ".
الفصل
جملته أن اللعان لا يصح إلا بحضرة الحاكم لأنه يمين ولا يصح يمين المتداعيين إلا بحضرة الحاكم. وأيضًا اللعان الذي كان في الشرع إتيان هلال بن أمية [١٩٤/ أ] ولعان العجلاني وكلاهما كان بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا تقرر هذا فاللعان يغلط أربعة أشياء؛ باللفظ، والمكان، والزمان، والجمع أما باللفظ وهو أن يأتي كل واحد منهما بأربع شهادات؛ بالله وحكمه اللعن أو الغضب على ما نطق به الكاتب وهذا شرط بلا خلاف. وأما المكان فهو أن يلاعن فهو أن لاعن في أشرق البقاع، فإن كان بمكة ففي المسجد الحرام بين البيت والمقام، وقيل بين الركن والمقام وكلاهما واحد، قال القفال: أحلف في الحجر وهذا لا بأس به ولكنه غير مشهور، وإن كان في المدينة قال الشافعي: هاهنا على المنبر، وقال في موضع آخر: عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق: هذا على اختلاف حالين فالذي قال على