للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب إقرار الوارث بالوارث]

قال الشافعي رحمة الله عليه (١): (الذي أحفظ من قول المدنيين فيمن ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ).

الفصل

وهذا كما قال: اعلم أنه إذا قال الرجل: هذا ابني ُنظر فإن كان صغيرًا لم يلحقه إلا بثلاثة شروط:

احدها: أن يكون مجهول النسب فإنه إذا كان معروف النسب لم يصح إقراره.

والثاني: أن يمكن أن يكون منه بأن يكون سنه يحتمل أن يكون ولده.

والثالث: ألا ينازعه فيه منازع. فإذا وجدت هذه الشرائط ثبت نسبه. فإن بلغ الصغير بعد أن ألحقناه به وأنكر أن يكون ابنه لم يلتفت إلى إنكاره وجرى ذلك مجرى ملك عبٍد صغيٍر في يده وثبت بذلك ملكه فلما كبر جحد الملك لا تسمع دعواه، ولكن له طلب يمينه على ذلك. وإن كان المقر به بالغًا عاقلًا يعتبر ما ذكرنا من الشرائط ويعتبر شرط آخر وهو أن يقبل المقر به ذلك منه إن أنكر ذلك لم يثبت نسبه. والحكم في الابن المجنون الكبير كالحكم في الصبي سواء. وعلى هذا لو أقر بأنه أبوه يكون كإقراره بابن كبير ويعتبر فيه ما ذكرنا من الشرائط. وإن كان الأب مجنونًا فلا يثبت النسب بإقرار الابن ويحتاج إلى بينٍة حتى تسمع دعواه ويحتاج الابن إلى أن يكون من أهل الدعوى بالبلوغ والعقل هكذا ذكر في (الحاوي) (٢) ولا أدري الفرق بين الأب المجنون والابن المجنون. ويمكن أن يقال: الابن بعد الجنون يعود إلى ما كان في حال صباه ولا يمكن أن يقال مثله في الأب والله أعلم. وكل موضٍع ألحقنا به فلا فصل بين أن يكون للمقر به وارث سوى المقر أو لم يكن، ولا فصل بين أن يقر مسلم بمشرك، أو مشرك بمسلم، أو حر بعبد، أو عبد بحر، الباب واحد.

وأما إذا مات الرجل يلحق النسب به [١٤٨/أ] بأحد أمرين ببينة تقوم عليه أو إقرارًا لوارث عليه به. وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يثبت إلا أن يكونوا عدد الشهود من رجلين أو رجل وامرأتين. وقال مالك: يثبت النسب بإقرار الوارث أصلًا وإن كانوا جماعة ولكن يستحق الميراث.

واحتج الشافعي في هذا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ابن وليدة زمعة وتمام الحديث ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (اختصم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة وقال سعد: يا رسول الله إن أخي عتبة أوصاني فقال: إذا قدمت مكة فانظر ابن أمة زمعة فأقبضه فإنه ابني، وقال عبد بن زمعة: يا رسول الله هو أخي


(١) انظر الأم (٣/ ٢٧).
(٢) انظر الحاوي للماوردي (٧/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>