للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كانت بالله تعالى سبق بها لسانه وجرت بها عادته، فقال; لا والله، أو قال: بلى والله غير قاصد لعقد يمين فلا مأثم عليه ولا حنث، ولو نزه لسانه منها كان أولى، لئلا يجعل اسم الله تعالى عرضة ليمينه، وفد قال الله تعالى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: (٢٢٤)] فأما إن قال: لا والله، بلى والله، فجمع بينهما، كان الأول لغوًا، لأنها غير مقصودةً وكانت الثانيةَ منعقدةً، لأنها استدراك فصارت مقصودةً؛ فإن كانت اليمين بغير الله من طلاق وعتاق سبق بها لسانه لغوًا من غير قصد، ولا عقد دين فيها فلم يؤاخذ بها في الباطن، وكان مؤاخذًا بها في الظاهر، بخلاف اليمين بالله في أنه لا يؤاخذ بلغوها في الظاهر ولا في الباطن؟ لأن كفارةً الحنث بالله من حقوقه المشتركة بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين، فلم يؤاخذ بها في الباطن لاختصاصه بحقوق الله، وكان مؤاخذًا بها في الظاهر لاختصاصه بحقوق الآدميين والله أعلم.

[باب الكفارة قيل الحنث وبعده.]

مسألة:

قَالُ الشَّافِعِيِ رحمَهُ اللَّهُ: "وَمِنْ حِلْفَ عَلَى شَيْءِ وَأَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَأُحِبُّ إلي لَوْ لَمْ يُكْفَرْ حَتَّى يَحْنَثَ فَإِنَّ كفرَ قَبْلَ الْحِنْثِ بِغَيْرَ الصِّيَامَ أَجْزَأُهُ وَإِنَّ صَامَ لَمْ يَجِزْهُ لَأَنَا نَزْعَمُ أَنْ لله عَلَى الْعُبَّادِ حَقَّا فِي أَمَوَّالِهُمْ وَتَسَلُّفَ -النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلْمَ- مِنْ الْعباسِ صَدُقَةَ عَامِّ قَبْلَ أَنْ يدخل وَأَنْ الْمُسَلَّمَيْنِ قَدَّمُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَ الْفِطَرُ فَجُعَلَنَا الْحُقُوقَ فِي الأموال قِيَاسَا عَلَى هَذَا فَأَمَا الأعمال الَّتِي عَلَى الأبدان فَلَا تَجْزِيءَ إلا بَعْدَ مَوَاقِيتِهَا كَالْصَّلاَةِ".

قال في الحاوي: قد ذكرنا آن كفارةً اليمين تجب على ماض ومستقبل، فأما اليمين على ماض فالكفارةَ فيه واجبةً بعقد اليمين وحده إذا كانت كذبًا، ولا يجوز تقديم الكفارةَ فيها قبل وجوبها؟ سواء كفر بإطعام أو صيام؛ لأنها لا تجب إلا بسبب واحد، وهو عقد اليمين، وآما اليمين على مستقبل فالكفارةَ فيها واجبةً بعقد اليمين، والحنث، فتعلق وجوبها بسببين عقد وحنث، وله في التفكير بها ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يكفر قبل اليمين والحنث فلا تجزئه سواء كفر بمال أو صيام لفقد كل واحدٍ من السببين كما لا يجزئه إذا عجل زكاةَ ماله قبل ملك النصاب والحول.

والثانية: أن يكفر بعد اليمين فلا يحنث فيجزئه، سواء كفر بمال أو صيام، وقد أخرجها بعد وجوبها فصار كإخراج الزكاةً بعد حولها

والثالثة: أن يكفر بعد اليمين، وقبل الحنث فيكون كتعجيل الزكاةً بعد ملك النصاب وقبل الحول، فقد اخلف الفقهاء في تعجيلها على ثلاثة مذاهب:

<<  <  ج: ص:  >  >>