للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنه يثبت في الشرع بخبر الواحد فاليمين أولى أن تجوز، ثم رجع الشافعي بعد هذا إلى المناظرة مع أبي حنيفة في شهادة الأعمى فقال: قلت لمن لا يجيز شهادة الشاهد، وإن كان بصيراً حين علم حتى عاين المشهود عليه يوم يؤدها عليه: أنت تجيز شهادة البصير على ميت وعلى غائب في حال وهذا نظير ما أنكرت فإنه لا يمكن الإشارة إلى الميت والغائب ولكن يرفع في نسبه ويحيزه عن غيره ويكفي كذلك هنا، ولأن الشافعي رضي الله عنه يجوز للبصير أن يشهد بالاسم والنسب من غير إشارة إلى عين المشهود عليه والإشارة إليه استحباب عنده وإنما يحتاج إلى الإشارة إلى عينه إذا لم يعرفه باسمه ونسبه فيشهد ويشير إليه فتقبل شهادته ذكره القاضي الطبري.

[باب ما يجب من القيام بالشهادة]

مسألة": قال الله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: الآية ٢٨٣] الآية.

جملة هذا أن تحمل الشهادة فرض على الكفاية، والأصل فيه قوله تعالى: {وَلَا يَابَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: الآية ٢٨٢] الآية. وقال ابن عباس رضي الله عنهما "أراد دعوا لتحملها وإثباتها عند الحاكم"، وقيل: أراد دعوا لأدائها [١٢/ ١٣٣ ب] عند الحاكم وقيل: أراد إذا دعوا للتحمل والأداء جميعاً، وقيل: إنه ندب لا فرض وبه قال عطاء وعطية وقال الشعبي: هو فرض على الكفاية، وقال قتادة والربيع بن أنس: هو فرض على الأعيان وعلى ما ذكرنا لو قعد الناس كلهم عن تحمل الشهادة جرحوا، وإن قام بتحملها بعضهم سقط عن الباقين الفرض لأن القصد من الشهادة وثيقة صاحب الحق فإذا قام بها اثنان حصلت الوثيقة ولأن في شهادة الجميع مشقة؛ لأن ذلك بمنزلة سائر فروض الكفايات مثل غسل الموتى والصلاة عليهم ودفنهم والجهاد ورد السلام وغير ذلك.

وإن لم يكن في الموضع غير شاهدين تعين عليهما التحمل كما لو مات رجل في سفر ولم يكن هناك غير واحد تعين عليه القيام بأمره حتى يدفنه، وإذا تحملها ودخلوا فيها ثم دعي إلى أدائها فهو أيضاً على الكفاية، فإذا امتنع الجميع من أدائها أثموا، وإن قام بها بعضهم سقط الفرض عن الباقين، وإن لم يكن غير واحد أو اثنين لموت الباقين أو غيبتهم، أو لم يكن فيه غير اثنين تعين الفرض عليهما، ولم يجز لهما تأخير أدائها وهذا لقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: الآية ٢٨٣] وقيل: هذا أعظم وعيد لأنه نسب الإثم إلى القلب وهو أن يمسح مسحاً حتى لا يجد مرارة المعصية.

قال الشافعي رضي الله عنه: [١٢/ ١٣٤ أ] أحفظ عن كل من سمعت من أهل العلم أن ذلك في الشاهد قال الشيخ القفال: لا يكاد يخفى هذا عن أحد لكن لم يجب

<<  <  ج: ص:  >  >>