قال الشافعي رحمه الله تعالى:"وإن كانوا يهودًا تضاعف عليهم فيه الصدقة".
قال في الحاوي: وهذا صحيح؛ لأن اليهود والنصارى في جواز صلحهم على مضاعفة الصدقة سواء، وإن كان صلح عمر معقودًا على نصار العرب، فليس يمتنع أن يعقد مع اليهود، ومع نصارى العجم؛ لأن جميعهم في الجزية، سواء فإذا اتجروا بأموالهم وجب أن يؤخذ منها بعد الحول ضعف الزكاة، لأن أموال التجارة مزكاة، فلو اتجر بعض نصارى العرب إلي الحجاز أخذ من العشر في دخول الحجاز، وضعف الصدقة بعقد الصلح، وجمع عليه بين الأمرين، وإن كان حربيين كما يجمع عليه بين الدينار والعشر، والله أعلم.
[باب المهادنة على النظر للمسلمين]
ونقص ما لا يجوز من الصلح.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى:"إن نزلت بالمسلمين نازلة بقوة عدو عليهم وأرجو أن لا ينزلها الله بهم هادنهم الإمام على النظر للمسلمين إلي مدة يرجو إليها القوة عليهم لا تجاوز مدة أهل الحديبية التي هادنهم عليها عليه الصلاة والسلام وهي عشر سنين".
قال في الحاوي: أما المهادنة، فهي المسالمة والموادعة عن عهد يمنع من القتال والمنافرة، وقد كان الله تعالى بعد فرض الجهاد منع منها بقوله:{فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ}[التوبة ٥] وجعل غاية أمرهم في قتلهم أن يسلموا، فقال:{فَإن تَابُوا}[التوبة ٥] الآية ثم قوله: {وهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة ٢٩] فكان هذا بعد قوة الإسلام بكن بها تؤخذ جزيتهم، ثم إن الله تعالى أذن في مهادنتهم ومسالمتهم عند الحاجة إليها فقال تعالى:{وإن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}[الأنفال ٦١].
وقال تعالى:{إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم}[التوبة ٤] إلي قوله {عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ}[التوبة ٤]، فوادع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير وبني قريظة، وبني قينقاع بالمدينة ليكفوا عن معونة المشركين، ويكونوا عونًا للمسلمين فكان ذلك من أول عهوده حتى نقضوا العهد، فكان أول من نقض عهده منهم بنو قينقاع في معونة قريش يوم بدر، فسار إليهم وأظفره الله بهم، وأراد قتلهم، فسأله عبد الله بن أبي ابن سلول فيهم، وكانوا ثلاثمائة