حكم الممتنع المتعنت والمتواري في البلد حكم الغائب, فأما من هو حاضر في البلد ولم يمتنع ولم يتوار عن مجلس الحكم فهل يجوز أن يسمع عليه البينة أم لا؟ قال القفال: فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز بل يأخذ بالأقرب وهو استحضاره فربما يقر, والثاني: يجوز أن يسمع عليه البينة لأن في البينة من الفوائد ما ليس في الإقرار مثل بينة الوارث على المريض بلا خلاف وإقرار المريض للوارث لا يقبل في أحد القولين ونحوه, قال: ثم لا يبرم الحكم حتى يستحضره فيقول: سمعت عليك البينة بكذا ويمكنه من دفعها فإن لم يدفعها قضى عليه حينئذ وقال غيره: هل يحكم عليه بها من غير حضوره؟ وفيه وجهان: أحدهما: يحكم عليه لأن الحجة هي البينة وقد أحدثه والثاني وهو المذهب لا يحكم عليه بل يستدعيه ويسأله عن الدعوى لأنه يمكنه ذلك من غير ضرر بصاحب الحق وربما كان عنده قدح في البينة أو حجة يدفعها ويفارق الغائب لأن في تأخر القضاء ضررًا على صاحب الحق, ولو كان حاضرًا في مجلس فيه طريقان: أحدهما: هل يجوز سماع البينة قبل السؤال عنه, فيه وجهان, وقيل: وجهًا واحدًا لا يجوز.
فرع آخر
إذا كان للحكم اتصال بالحاضر فقد ذكرنا أن أبا حنيفة رحمه الله وافقنا فيه على جواز القضاء على الغائب ولكنه يقول للحاكم أن ينصب على الغائب وكيلًا مسخرًا ليجيب عن الدعوى ويذب عن الغائب فيسمع البينة على وجهه, ويقضي, وعندنا لا فائدة في هذا الوكيل المسخر الذي لم يوكله الغائب وكذلك على مذهبه لا يسمع الدعوى على ميت أو صبي حتى ينصب قيم لذلك الصبي أو عن ذلك الميت فتكون الدعوى وسماع البينة على وجهه وعندنا لا يجب ذلك.
فرع آخر
القضاء على الغائب إنما يكون في حقوق الآدميين ويجوز في القصاص وحد القذف بلا خلاف على المذهب, ولو قامت البينة على السرقة حكم بالغرم ولم يحكم بالقطع ولا يحكم عليه في الحدود التي هي حق الله تعالى لأنه مأمور بالاحتياط في إسقاطه ولا ضرر على الغير في تأخير حكمه إلى وقت حضوره هكذا ذكر أهل العراق وقالوا: لا يختلف فيه أصحابنا, وقال القفال: فيه وجهان: أحدهما: هذا وهو المذهب, والثاني يقضي عليه بها ويكتب إلى قاضي البلد الذي فيه المدعي حتى يجحده.
[باب القسام]
مسألة: قال: "وينبغي أن يعطى أجر القسام من بيت المال لأنهم حكام الفصل".