فصل:
وإذا ربط رجل يدي رجل ورجليه وألقاه على ساحل بحر فزاد الماء فغرقه فهذا على ضربين:
أحدهما: أن تكون زيادة الماء مألوفة في أوقات راتبه كالمد والجزر بالبصرة، فهذا قاتل عمدًا وعليه القود، لأنه فاسد لتغريقه.
والضرب الثاني: أن تكون الزيادة غير مألوفة فلا قود فيه وهو على ضربين:
أحدهما: أن يكون الأغلب من حال الماء أن يزيد وإن حاز أن لا يريد، فيكون ذلك منه عمد الخطأ تجب الدية فيه مغلظة على عاقلته.
والضرب الثاني: أن يكون الأغلب من حال الماء أن لا يزيد وإن جاز أن يزيد فيكون هذا خطأ محضًا تجب فيه الدية مخففة على العاقلة.
ولو ربط يديه ورجليه وألقاه في صحراء فأكله السبع فلا قود عليه، لأن المتلف غيره، ثم ينظر فإن كان الصحراء مسبعة فهو عمد الخطأ تجب فيه الدية مغلظة على عاقلته، وإن كانت غير مسبغة فهو خطأ محض تجب فيه الدية مخففة.
فصل:
وإذا تجارح رجلان وادعى كل واحد منهما أنه جرح صاحبه دفعًا عن نفسه والآخر منكر فالقول قول كل واحد منهما في إنكار الطلب وعليه القود فإن نكل عن يمين الطلب حلف كل واحد منهما على أنه مطلوبه ولا قود ولا أرش والله أعلم.
[باب من العاقلة التي تغرم]
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "لم أعلم مخالفًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة".
قال في الحاوي: أما العاقلة فهم ضمناء الدية ومتحملوها من عصبات القاتل، واختلف في تسميتهم عاقلة على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن العقل اسم للدية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله" أي يتحمل عقله وهو الدية.
والثاني: أنهم سموا عاقلة، لأنهم يقودون إبل الدية فيعقلونها على باب المقتول.
والثالث: أنهم سموا عاقلة، لأنهم يعقلون القاتل أي يمنعون عنه، والمنع العقل، ولذلك سمى العقل في الناس عقلًا، لأنه يمنع من القبائح.