[كتاب التفليس]
قال: أخبرنا ابن أبي فديك. الخبر.
المفلس في اللغة [ق ٢٩٠ ب] من ذهب خير ماله وبقي شر ماله, مثل إن ذهب من ماله الذهب والفضة والأثاث وبقيت معه الفلوس فهو ذو فلوس لقوله: فلان مغض أي ذو غضة. وقيل: من ذهب ماله حتى الفلوس وهذا بضد الأول, والأول أصح. ويقال: فلسه الحاكم إذا حجر عليه ومنعه من التصرف في ماله. وأما في الشرع هو عبارة عمن تملك من المال دون ما عليه من الديون, ويقال كتاب الفلس, قال بعض أصحابنا: ويكره أن يقال: كتاب الإفلاس؛ لأن الإفلاس مستعمل في الإعسار بعد اليسار والتفليس يستعمل في حجر الحاكم على المديون فكان أليق بالحال.
فإذا تقرر هذا, فاعلم أن الديون سبب الحجر ولا تثبت إلا بالنية أو الإقرار, فإذا كان مال الإنسان عاجزًا عن ديونه واجتمع الغرماء, وأثبتوا ديونهم عند الحاكم وسألوه الحجر عليه وقسمة ماله بينهم حجر الحاكم عليه, وفائدة الحجر ثلاثة أشياء:
أحدها: تعلق الديون بعين ماله.
والثاني: أنه يمنع من التصرف في ماله, ولو تصرف لا يجوز, ولا يمكنه أن يبادر فيقضي ديون البعض دون البعض, فإنه لا يجوز قضاؤه للدين بنفسه بعد الحجر, بل القاضي يقضي ديونهم بالقسمة على القدر, ثم إن ظهر غرماء آخرون شاركوا الأولين في الأخذ منهم بقدر ديونهم حتى يستووا فيه, ففي الحجر نظر الغرماء [ق ٢٩١ أ] الحاضرين ولم يحضروا وظهر بعده.
والثالث: أن كل من وجد من عين ماله عنده كان أحق به من غيره, وإن كان ماله يفي بديونه وليس هناك أمارات الفلس, مثل إن كان عليه ألف درهم ومعه ألف درهم والنفقة من الربح لم يكن له الحجر عليه ولكنه يكلفه قضاء دينه, فإن فعل وإلا حبسه, فإن فعل وإلا باع عليه ماله, وإن كان معه فوق ما عليه ولكن هناك أمارات الفلس, مثل أن يكون أصل ماله وفاء ديونه ولا يفضل شيء للنفقة هل يستحق الحجر عليه؟ قولان:
أحدهما: يحجر عليه, لأن علة الحجر ثبوت الدين وقد وجد ذلك ولا يؤمن من المبادرة إلى إتلاف بعض ماله بالنفقة والتبرعات وغيرها, أو يظهر غرماء آخرون فيضيق المال عن حقوقهم.
والثاني: لا يحجر عليه, لأن المال يفي بالديون فلا معنى للحجر.