لو أكلت الهرة فارة ثم ولغت في الماء القليل تنجس الماء؛ لأّنا تحققنا نجاسة فمها. ومن أصحابنا من قال: لا ينجس؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"إنها من الطوافين عليكم والطوافات". ولأن الاحتراز منه لا يمكن، وهذا خلاف النص، وإن غابت ثم عادت فشربت؟ فيه وجهان: أحدها: ينجس؛ لأن الأصل نجاسة فمها. والثاني: لا ينجس؛ لجواز أنها وافت في ماء كثبر، فطهر فمها، والأصل طهارة الماء، وهذا إن احتمل ذلك، وقد قال في مختصر البويطي:[٢٨ ب/ ١] لا بأس بفضل الهرة والسباع والدجاج والطيور، إلا أن يكون في مناقير الطيور وأفواه السباع نجاسة، ويكون الماء أقل من خمس قرب فلا يجوز الوضوء به، وهذا يدل على أن سؤرها لا يكره، وعند أبي حنيفة يكره سؤر الهرة وإن لم ينجس، وهذا غلط؛ لما روى داود بن صالح التمار عن أمه، قالت: أرسلتني مولاتي بهريسة إلى عائشة -رضي الله عنها - فوجدتها تصلي، فأشارت إليَّ أن ضيعها، وعندها نسوة، فجاءت هرة فأكلت منها، فلما انصرفت عائشة قالت النساء: كلن وابقين موضع فم الهرة، ثم أكلت عائشة من حيث أكلت الهرة، ثم قالت: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "إنها ليست بنجسة، إنها من الطوافين عليكم". وقد رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يتوضأ بفضل الهرة.
فرع آخر
كل ما يدفع الحدث لا يجوز إزالة النجاسة به على ما ذكرنا خلافاً لأبي حنيفة. وبقولنا قال محمد، وأحمد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن وروي عن أبي يوسف أنه قال: إن كانت النجاسة على البدن لا تجوز إلا بالماء، وإن كانت على غيره فإنها تجوز بغير
الماء، وهذا غلط، لأنه لا فرق في القياس بينهما.
واعلم أن الشافعي عبر في هذا الباب بعبارة التطهر به حولها، ومنعا لأنها عبادة جامعة للوضوء وإزالة النجاسة عن البدن والثوب وغيرهما.
[باب الآنية]
[٢٩ أ/ ١] مسألة: قال: (ويتوضأ في جلود الميتة إذ دبغت).
وهذا كما قال: وروى في ترجمة هذا الباب: باب في الآنية، وروى باب الآنية وهو الأشهر. والقصد من هذا الباب بعد ذكر المياه التي يجوز التطهر بها والتي لا يجوز، ذكر الأواني الطاهرة التي يجوز منها التطهر، والتي لا يجوز؛ لأن الغالب من