من مشرك وإن خلا في شركه إلا وهو عند رجوعه إلى نفسه يعترف بخالق خلقه وإن كان معاندًا بلسانه. قال الله تعالى: في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث كسر الأصنام {فَرَجَعُوا إلى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ} [الأنبياء: ٦٤ - ٦٥]. وقال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف: ٨٧][١٩٧/ أ] في آيات كثيرة، وأيضًا نأمرهم بذلك، وإن لم يعتقد تعظيمه لما يتعلق به من الأحكام في شريعتنا مثل نفي النسب والفرقة الحد وترجو أن تلحقهما سوء الكذب في اليمين الكاذبة. قال صلى الله عليه وسلم: اليمين الغموس تدع الديار من أهلها بلاقع، واللعن إلى مثلها أقرب منه إلى المسلم الكاذب. وصورة يمينه في سائر الدعاوى أن يقول: بالله الذي خلقني ورزقني ذكره أبو حامد وهو حسن، وقول اليهودي: في لعانه أشهد بالله الذي أنزل التوراة على موسى. ويقول النصراني: أشهد بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى. وفي غير اللعان من الأيمان يقولان مثله.
[باب سنة اللعان ونفي الولد]
مسألة: قال: "أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً لاعن من امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتفي من وردها ففرق رسول الله بينهما وألحق الولد بالمرأة، قال سهل بن سعد وابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين".
قال أصحابنا: يتعلق باللعان خمسة أحكام: درء الحد، ونفي الولد، والفرقة، والتحريم المؤيد، ووجوب الحد عليها. وكل ذلك يثبت بمجرد لعانه ولا يفتقر فيها إلى لعانه ولا إلى حكم الحاكم، فإن حكم به الحاكم كان تنفيذًا منه لا إيقاعًا للفرقة، وأما لعان المرأة لا يؤثر إلا في إسقاط الحد عن نفسها فقط، وحكي عن عثمان البتي أنه قال: لا يتعلق باللعان الفرقة أصلاً، وروي عنه أنه يؤمر بالطلاق بعد اللعان، واحتج بأن العجلاني طلق امرأته بعد اللعان فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاقه وهذا غلط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم [١٩٨/ أ]"المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا" وأما ما ذكره لا يصح لأنه لما طلق قال له: "لا سبيل لك عليها" أي بما سبق من اللعان. وقال أبو حنيفة: تتعلق الفرقة ونفي الولد بلعانهما وحكم الحاكم وهو رواية عن أحمد، وعند أبي حنيفة أحكام اللعان إثبات نفي النسب وزوال الفراش والحد لا يجب حتى يسقط به، والتحريم على التأبيد لا يثبت أيضًا حتى لو أكذب نفسه وحد تحل له بعقد جديد وعند أبي حنيفة قبل حكم الحاكم الزوجية قائمة بينهما حتى لو طلقها نفذ طلاقه ولكن لا يجوز للحاكم أن يقرهما عليه بل يلزمه أن يفرق بينهما، وقال ربيعة ومالك، وداود، وزفر: تتعلق الفرقة بلعانها معًا ولا يحتاج إلى حكم الحاكم وهو الرواية الثانية عن أحمد، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المتلاعنان لا يجتمعان أبدًأ بشرط لعانهما، واحتج أبو حنيفة بما روي