[كتاب الحجر]
قال: قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: ٦] الآية.
الفصل: وهذا كما قال: الحجر في اللغة المنع والحظر والتضييق, ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: ٢٢] ويقولون حجرًا محجورًا يعني حرامًا محرمًا, وقال تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} [الفجر:٥] أي لذي عقل, وإنما سمي العقل حجرًا, لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب ما لا يجوز, وسمي حجر البيت حجرًا لأنه يمنع من الطواف فيه, وعلى هذا قولنا محجور عليه, أي ممنوع من التصرف, ومحظور عليه التصرف, والحجر على ضربين:
أحدهما: لحق غيره وهو حجر المفلس والمريض والمكاتب.
والثاني: لحق نفسه وهو حجر صغير والمجنون والسفيه والمقصود بهذا الباب بيان أحكام هؤلاء.
وأما الصبي فالأصل في الحجر عليه قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: ٦] فإن أنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم, فدل على أن ماله لا يدفع إليه قبل بلوغه النكاح وقوله تعالى: {وَابْتَلُوا} [النساء: ٦] معناه: واختبروا وامتحنوا كما قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة: ١٢٤] معناه اختبره وامتحنه, وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} [البقرة: ٢٤٩] أي مختبركم وقال [ق ٣٣٩ ب] {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود:٧] أي مختبركم.
وأما اليتامى: منهم الصغار الذين مات آباؤهم, فأما إذا ماتت الأم وبقي الأب لا يسمى يتيمًا حقيقة, وكذلك إذا مات الأب بعد بلوغه لا يسمى يتيمًا لما روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتم بعد الحلم" وروي: بعد البلوغ.
وقوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء:٦] أراد به البلوغ فعبر عن البلوغ ببلوغ النكاح؛ لأن الغالب أن شهوة النكاح عند البلوغ وقيل: أراد الاحتلام لأن الاحتلام يتوجه التكيف, وقيل: أراد بالنكاح الجماع, وقوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء:٦] أي أبصرتم منهم رشدًا أو علمتم, فوضع ذلك موضع العلم كما وضعها موضع الرؤية في قوله تعالى: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} [القصص:٢٩] وقوله: {رشْدًا} [الجن:١٠] قال مجاهد, والشعبي: هو العقل.