والمقتول مظلومًا لأن التعدي بالقتل صار متعينًا [١٤٦/ب] في القاتل دون المقتول وعلى هذا حمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار" يعني: لظلمهما بالقتال وقصده صاحبه فله دفعه الآن وإن أتى على نفسه على ما ذكرنا.
فرع آخر
لو كانت دار يسكنها ذو محرم له مع مالكها فأراد دخول الدار لا يلزمه الاستئذان ولكنه متى أراد الدخول عليه يشعر بدخوله بالنحنحة وشدة الوطء ليستتر العريان، وإن لم يكن المحرم ساكنًا فيها فإن كان الباب مغلقًا لم يجز الدخول إلا بإذن، وإن كان مفتوحًا فهل يجب الاستئذان وانتظار الإذن؟ وفيه وجهان أحدهما: يجب لجواز أن يكون رب الدار على عورة. والثاني: لا يجب ويلزم الإشعار بالدخول التنحنح والحركة لقوله تعالى: {ولا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَاكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ}[النور ٦١] الآية. ففرق الله تعالى من ذوي المحارم وغيرهم في الإباحة.
[باب الضمان على أرباب البهائم]
قال الشافعي رضي الله عنه: أخبرنا مالك عن الزهري عن حرام بن سعد محيصة أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل هذه الأموال حفظها [١٤٧/أ] بالنهار وما أفسدت بالليل فهو ضامن على أهلها.
اعلم أنه إذا أفسدت الماشية زرع قوم فلا يخلو إما أن يكون صاحبها عليها أو لا يكون، فإن كانت يده عليها يلزمه الضمان فإن كان نهارًا فلا ضمان على مالكها لأن لصاحب الماشية أن يسيب ماشيته بالنهار في العراء من غير حافظ وحفظ الزرع على صاحبها فإذا لم يحفظه فهو المضيع لماله وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"العجماء جرحها جبار" والعجماء: البهيمة سميت عجماء لعدم نطقها والجبار: الهدر.
وقال بعض أصحابنا: عادة الناس هذا وذلك في الموات فإن أرسلت المواشي نهارًا في طرف ضياع للناس أو حريم الأنهار يضمن أربابها ما أفسدت، وكذلك في القرى والمدن العامرة يتقارب العقار فيها وبينها علف وكلأ ترعى بالعادة أن رب الدابة يرعاها فيه ويحفظها ولا يحفظ رب الزرع زرعه، فإذا أفسدت زرعًا يلزمه الضمان لأن التفريط كان منه، وإن كان هذا الإفساد ليلًا قال الشافعي: يلزم الضمان على مالكها لأن حفظها بالليل عليه وليس على صاحب الزرع حفظه بالليل فكان صاحب الماشية متعديًا