فأما قولهم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أقرع، فأعتق اثنين، وأرق أربعة»، فلم يكن العتق إلا من المالك، فصارت القرعة تمييزًا للعتق من الرق -والله أعلم-.
[باب كيفية القرعة بين المماليك وغيرهم]
مسألة: قال الشافعي رحمه الله: «أحب القرعة إلى وأبعدها من الحيف عندي ان تقطع رقاع صغار مستوية فيكتب في كل رقعة اسم ذي السهم حتى يستوظف أسماءهم ثم تجعل في بنادق طين مستوية وتوزن ثم تستجف ثم تلقي في حجر رجل لم يحضر الكتابة ولا إدخالها في البندق ويغطي عليها ثوب ثم يقال له أدخل يدك فأخرج بندقة فإذا أخرجها فضت وقرئ اسم صاحبها ودفع إليه الجزء الذي أقرع عليه ثم يقال له أقرع على الجزء الثاني الذي يليه وهكذا ما بقي من السهمان شيء حتى تنفد وهذا في الرقيق وغيرهم سواء».
قال الماوردي: أعلم أن القرعة تدخل في الأحكام لتمييز ما اشتبه إذا تعذر تمييزه بغيرها، لتزول فيه التهمة، ويخرج عن توهم الممايلة فوجب أن تستعمل على أحوط الممكنات فيها، وهي على ما وصفها الشافعي أحوط ممكن فيها، فاعتبر فما وصفه منها خمسة أشياء مبالغة في الاحتياط، واحترازًا من الحيلة، وبعدًا من التهمة.
وقال مالك: كيفما أقرع الحاكم بينهم، ولو بأقلام دواته أجزأ، وهذا عدول عن الاحتياط، وتعرض للارتياب الذي يمنع منه الحكام.
واختار الشافعي أن تكون الرقاع في بنادق طين، وهو أولى من الشمع والحديد، لأن الشمع لين تتم فيه الحيلة، والحديد شديد لا ينفتح، وإن لين بالنار ربما أحرقت رقاعه. واختار ثانيًا: بأن تكون البنادق متساوية الوزن والصفة، مدورة قد ملست، لئلا تختلف فتتميز. واختار ثالثاً: أن تجفف حتى تيبس، فلا تتم فيها حيلة. واختار رابعًا: أن توضع مغطاة، ويؤمن من لم يشاهدها بالإخراج حتى لا يرى ما تتوجه به إليه تهمة. واختار خامسًا: أن يكون المخرج قليل الفطنة السلامة ليبعد من الإدغال والحيلة، فهذا أحوط ما يمكن فيها، وليس بعد ما ذكره الشافعي في صفتها من هذه الفصول الخمسة احتياط يؤمر به الحكام، فإن قصر في بعضها أساء، ولم يبطل حكمه. والله أعلم.
[باب الإقراع بين العبيد في العتق والدين والتبدئة بالعتق]
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: «ويجزأ الرقيق إذا أعتق ثلثهم ثلاثة أجزاء إذا كانت قيمهم سواء ويكتب سهم العتق في واحد وسهما الرق في اثنين ثم يقال: أخرج على هذا الجزء بعينه ويعرف فإن خرج عليه العتق عتق ورق الجزءان الآخران وإن خرج على الجزء الأول سهم الرق رق ثم قيل أخرج فإن خرج سهم العتق على الجزء الثاني عتق ورق الثالث وإن خرج سهم الرق عليه عتق الثالث وإن اختلفت قيمهم